الجواب الثالث : أن يقال : أهل الحديث والسنة المحضة متفقون على ، وحينئذ فمن أثبت أحدهما ونفى الآخر أقرب إلى الشرع والعقل ( * ممن نفاهما جميعا إثبات العلو والمباينة وإثبات الرؤية [1] .
فالأشعرية الذين أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة أقرب إلى الشرع والعقل * ) [2] من المعتزلة والشيعة الذين نفوهما . أما كونهم أقرب إلى الشرع فلأن [3] الآيات والأحاديث والآثار المنقولة عن الصحابة في دلالتها على العلو وعلى الرؤية [4] أعظم من أن تحصر ، وليس مع نفاة الرؤية والعلو ما يصلح أن يذكر من الأدلة الشرعية ، وإنما يزعمون أن عمدتهم [5] العقل .
فنقول : قول [6] الأشعرية المتناقضين خير من قول هؤلاء ، وذلك [ ص: 348 ] أنا إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا يشار إليه ولا يقرب منه شيء ، ولا يصعد إليه شيء ، ولا ينزل منه شيء ، ولا هو داخل العالم ولا خارجه ، ولا ترفع إليه الأيدي ، ونحو ذلك - كانت الفطرة منكرة لذلك . والعقلاء جميعهم الذين لم تتغير فطرتهم ينكرون ذلك ، ولا يقر بذلك إلا من لقن أقوال النفاة وحجتهم[7] وإلا فالفطر [8] السليمة متفقة على إنكار ذلك أعظم من إنكار خرق العادات ; لأن [9] العادات يجوز انخراقها باتفاق أهل الملل وموافقة عقلاء الفلاسفة لهم على ذلك .
فنقول : إن كان قول النفاة حقا مقبولا [10] في العقل . وإذا ثبت أنه فوق العرش ، فرؤية ما هو فوق الإنسان وإن لم يكن جسما أقرب إلى العقل وأولى فإثبات وجود الرب على العرش من غير أن يكون جسما أقرب إلى العقل وأولى بالقبول [11] بالقبول . من إثبات قول النفاة . فتبين أن الرؤية على قول هؤلاء أقرب إلى العقل من قول [12] النفاة ، وإذا قدر أن هذا خلاف المعتاد ، فتجويز انخراق العادة أولى من قول النفاة [13] ، فإن قول النفاة ممتنع في فطر العقلاء لا يمكن جوازه ، وأما انخراق العادة [14] فجائز .