الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الجواب الثالث : أن يقال : أهل الحديث والسنة المحضة متفقون على إثبات العلو والمباينة وإثبات الرؤية  ، وحينئذ فمن أثبت أحدهما ونفى الآخر أقرب إلى الشرع والعقل ( * ممن نفاهما جميعا [1] .

                  فالأشعرية الذين أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة أقرب إلى الشرع والعقل   * ) [2] من المعتزلة والشيعة الذين نفوهما . أما كونهم أقرب إلى الشرع فلأن [3] الآيات والأحاديث والآثار المنقولة عن الصحابة في دلالتها على العلو وعلى الرؤية [4] أعظم من أن تحصر ، وليس مع نفاة الرؤية والعلو ما يصلح أن يذكر من الأدلة الشرعية ، وإنما يزعمون أن عمدتهم [5] العقل .

                  فنقول : قول [6] الأشعرية المتناقضين خير من قول هؤلاء ، وذلك [ ص: 348 ] أنا إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا يشار إليه ولا يقرب منه شيء ، ولا يصعد إليه شيء ، ولا ينزل منه شيء ، ولا هو داخل العالم ولا خارجه ، ولا ترفع إليه الأيدي ، ونحو ذلك - كانت الفطرة منكرة لذلك . والعقلاء جميعهم الذين لم تتغير فطرتهم ينكرون ذلك ، ولا يقر بذلك إلا من لقن أقوال النفاة وحجتهم[7] وإلا فالفطر [8] السليمة متفقة على إنكار ذلك أعظم من إنكار خرق العادات ; لأن [9] العادات يجوز انخراقها باتفاق أهل الملل وموافقة عقلاء الفلاسفة لهم على ذلك .

                  فنقول : إن كان قول النفاة حقا مقبولا [10] في العقل فإثبات وجود الرب على العرش من غير أن يكون جسما أقرب إلى العقل وأولى بالقبول   . وإذا ثبت أنه فوق العرش ، فرؤية ما هو فوق الإنسان وإن لم يكن جسما أقرب إلى العقل وأولى [11] بالقبول . من إثبات قول النفاة . فتبين أن الرؤية على قول هؤلاء أقرب إلى العقل من قول [12] النفاة ، وإذا قدر أن هذا خلاف المعتاد ، فتجويز انخراق العادة أولى من قول النفاة [13] ، فإن قول النفاة ممتنع في فطر العقلاء لا يمكن جوازه ، وأما انخراق العادة [14] فجائز .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية