الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 349 ] الجواب الرابع : أن الأشعرية تقول [1] : إن الله قادر على أن يخلق بحضرتنا ما لا نراه ولا نسمعه من الأجسام والأصوات ، وأن يرينا ما بعد منا ، لا يقولون : إن هذا واقع ، بل يقولون : إن الله قادر عليه وليس كل ما كان قادرا عليه يشكون في وقوعه ، بل يعلمون أن هذا ليس واقعا [2] الآن ، وتجويز الوقوع غير الشك في الوقوع .

                  وعبارة هذا الناقل تقتضي أنهم يجوزون أن يكون هذا الآن موجودا ونحن لا نراه ، وهذا لا يقوله عاقل ، ولكن هذا قيل لهم بطريق الإلزام . قيل [ لهم ] [3] : إذا جوزتم الرؤية في غير جهة ، فجوزوا هذا . فقالوا : نعم نجوز . كما أنهم يقولون : رؤية الله جائزة في الدنيا  ، أي : هو قادر على أن يرنا نفسه ، وهم يعلمون مع هذا أن أحدا من الناس لا يرى الله في الدنيا إلا ما تنوزع فيه من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ، ومن شك منهم في وقوع الرؤية في الدنيا فلجهله [4] بالأدلة النافية لذلك .

                  وقد ذكر الأشعري في وقوع الرؤية بالأبصار في الدنيا  لغير النبي - صلى تعالى عليه وسلم - قولين ؛ لكن الذي عليه أهل السنة قاطبة [5] أن الله لم يره أحد بعينيه [6] في الدنيا .

                  وقد ذكر الإمام أحمد [7] وغيره اتفاق السلف على هذا [ ص: 350 ] [ النفي ] [8] وأنهم لم يتنازعوا إلا في النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة . وقد ثبت في صحيح مسلم [9] وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " واعلموا أن أحدا منكم لن يرى [10] ربه حتى يموت " . مضى هذا الحديث من قبل في هذا الكتاب 2 - 516 ، 612 .

                  وقد سأل موسى - عليه السلام - [11] الرؤية فمنعها ، فلا يكون آحاد الناس أفضل من موسى . وفي الجملة ليس كل ما قال قائل : " إنه ممكن مقدور " يشك في وقوعه .

                  فالأشعرية ومن وافقهم [12] من أتباع الشافعي ومالك [13] وأحمد - وإن كانوا يقولون بجواز أمور ممتنعة في العادة في الرؤية - فيقولون : إنه لا حجاب بين الله وبين العبد إلا عدم خلق الرؤية في العين [14] ، وكذلك يقولون في سائر المرئيات .

                  فكانوا ينفون أن يكون في العين قوة امتازت بها فحصلت بها الرؤية ، ويمنعون أن يكون بين الأسباب ومسبباتها ملازمة ، وأن يكون بين [15]

                  [ ص: 351 ] الموانع وممنوعاتها ممانعة ، ويجعلون ذلك كله عادة محضة [16] استندت إلى محض المشيئة ، ويجوزون خرقها بمحض المشيئة .

                  فهم يقولون : إنا نعلم انتفاء كثير مما يعلم [17] إمكانه كما نعلم أن البحر لم ينقلب دما ، ولا الجبال ياقوتا ، ولا الحيوانات أشجارا ، بل يجعلون العلم بمثل هذا من العقل الذي يتميز به [18] العاقل عن المجنون ، وهم وإن كانوا يتناقضون [ وفي قولهم ما هو باطل عقلا ونقلا ] [19] فأقوالهم في القدر والصفات والرؤية [20] خير من أقوال المعتزلة وموافقيهم من الشيعة [21] وإن كان الصواب هو ما عليه السلف وأئمة السنة وهو [22] قول الأئمة الأربعة وجمهور كبار أصحابهم [23] [ والنصوص المأثورة في ذلك عن الأئمة المذكورين في غير هذا الموضع ] [24] .

                  والبيان التام هو [25] ما بينه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] [26] ؛ فإنه أعلم [ ص: 352 ] الخلق بالحق وأنصح الخلق للخلق [27] ، وأفصح الخلق في بيان الحق ، فما بينه [28] من أسماء الله وصفاته وعلوه ورؤيته هو الغاية في هذا الباب ، [ والله الموفق للصواب ] [29] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية