الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 387 ] الوجه الثاني : أنهم لا يوجبون طاعة [1] الإمام في كل ما يأمر به ، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة ، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماما عادلا [2] ، وإذا [3] أمرهم بطاعة الله فأطاعوه : مثل أن يأمرهم بإقامة [4] الصلاة وإيتاء الزكاة ، والصدق والعدل والحج والجهاد في سبيل الله ، فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله ، والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك الفاسق بها ، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه ولا يسقط وجوب اتباع الحق لكونه قد قاله فاسق ، فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقا ، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - [5] .

                  كما قال تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [ سورة النساء : 59 ] ، فأمر بطاعة الله مطلقا وأمر بطاعة الرسول ; لأنه لا يأمر إلا بطاعة الله ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [ سورة النساء : 80 ] ، وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك ، فقال : ( وأولي الأمر منكم ) [6] ولم يذكر لهم طاعة ثالثة ; لأن ولي الأمر لا يطاع طاعة مطلقة إنما [7] يطاع في المعروف .

                  [ ص: 388 ] كما قال : النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الطاعة في المعروف   " . [8] . وقال : " لا طاعة في معصية الله " [9] و " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " [10] ، وقال : " ومن أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه " [11] .

                  [ ص: 389 ] وقول هؤلاء الرافضة المنسوبين إلى شيعة علي [ رضي الله عنه ] [12] أنه تجب طاعة غير الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] [13] مطلقا في كل ما أمر به ، أفسد من قول من كان منسوبا إلى شيعة عثمان [ رضي الله عنه ] [14] من أهل الشام من [15] أنه يجب طاعة ولي الأمر مطلقا ، فإن أولئك كانوا يطيعون ذا السلطان وهو موجود [16] وهؤلاء يوجبون طاعة معصوم مفقود .

                  وأيضا فأولئك لم يكونوا يدعون في أئمتهم العصمة التي تدعيها الرافضة ، بل كانوا يجعلونهم كالخلفاء الراشدين وأئمة العدل الذين يقلدون فيما لم تعرف [17] حقيقة أمره ، أو يقولون : إن الله يقبل منهم الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات . وهذا أهون ممن يقول : إنهم معصومون لا يخطئون .

                  فتبين أن هؤلاء المنسوبين إلى النصب من شيعة عثمان وإن كان [ ص: 390 ] فيهم خروج عن بعض الحق والعدل فخروج الإمامية عن الحق والعدل أكثر وأشد . فكيف بقول أئمة السنة الموافق [18] للكتاب والسنة ، وهو الأمر بطاعة ولي الأمر فيما يأمر به من طاعة الله ، دون ما يأمر به من معصية الله   .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية