[ ص: 387 ] الوجه الثاني : أنهم لا يوجبون طاعة [1] الإمام في كل ما يأمر به ، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة ، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماما عادلا [2] ، وإذا [3] أمرهم بطاعة الله فأطاعوه : مثل أن يأمرهم بإقامة [4] الصلاة وإيتاء الزكاة ، والصدق والعدل والحج والجهاد في سبيل الله ، فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله ، والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك الفاسق بها ، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه ولا يسقط وجوب اتباع الحق لكونه قد قاله فاسق ، فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقا ، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - [5] .
كما قال تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [ سورة النساء : 59 ] ، فأمر بطاعة الله مطلقا وأمر بطاعة الرسول ; لأنه لا يأمر إلا بطاعة الله ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [ سورة النساء : 80 ] ، وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك ، فقال : ( وأولي الأمر منكم ) [6] ولم يذكر لهم طاعة ثالثة ; لأن ولي الأمر لا يطاع طاعة مطلقة إنما [7] يطاع في المعروف .
[ ص: 388 ] كما قال : النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الطاعة في المعروف " . إنما [8] . وقال : " " لا طاعة في معصية الله [9] و " " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق [10] ، وقال : " " ومن أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه [11] .
[ ص: 389 ] وقول هؤلاء الرافضة المنسوبين إلى شيعة علي [ رضي الله عنه ] [12] أنه تجب طاعة غير الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] [13] مطلقا في كل ما أمر به ، أفسد من قول من كان منسوبا إلى شيعة عثمان [ رضي الله عنه ] [14] من أهل الشام من [15] أنه يجب طاعة ولي الأمر مطلقا ، فإن أولئك كانوا يطيعون ذا السلطان وهو موجود [16] وهؤلاء يوجبون طاعة معصوم مفقود .
وأيضا فأولئك لم يكونوا يدعون في أئمتهم العصمة التي تدعيها الرافضة ، بل كانوا يجعلونهم كالخلفاء الراشدين وأئمة العدل الذين يقلدون فيما لم تعرف [17] حقيقة أمره ، أو يقولون : إن الله يقبل منهم الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات . وهذا أهون ممن يقول : إنهم معصومون لا يخطئون .
فتبين أن هؤلاء المنسوبين إلى النصب من شيعة عثمان وإن كان [ ص: 390 ] فيهم خروج عن بعض الحق والعدل فخروج الإمامية عن الحق والعدل أكثر وأشد . فكيف بقول أئمة السنة الموافق [18] للكتاب والسنة ، وهو . الأمر بطاعة ولي الأمر فيما يأمر به من طاعة الله ، دون ما يأمر به من معصية الله