الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وإذا قيل : الزمان مقدار الحركة  ، فليس هو مقدار حركة معينة كحركة الشمس ، أو الفلك [1] ، بل الزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة ، وقد كان قبل أن يخلق الله [2] السماوات والأرض والشمس والقمر حركات وأزمنة ، وبعد أن يقيم الله القيامة ، فتذهب الشمس ، والقمر تكون في الجنة حركات وأزمنة [3] ، كما قال تعالى : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) [ سورة مريم : 62 ] .

                  وجاء في الآثار أنهم يعرفون الليل والنهار بأنوار تظهر من جهة [ ص: 173 ] العرش ، وكذلك لهم في الآخرة يوم المزيد يوم الجمعة يعرف بما يظهر فيه من الأنوار الجديدة القوية ، وإن كانت الجنة كلها نورا يزهر ، ونهرا يطرد [4] لكن يظهر بعض الأوقات نور آخر يتميز به النهار عن الليل [5] .

                  فالرب تعالى إذا [ كان ] [6] لم يزل متكلما بمشيئته ، فعالا بمشيئته كان مقدار كلامه وفعاله [7] الذي لم يزل هو الوقت الذي يحدث فيه ما يحدث من مفعولاته ، وهو سبحانه متقدم على كل ما سواه التقدم الحقيقي المعقول [8] .

                  ولا نحتاج أن نجيب عن هذا بما ذكره الشهرستاني والرازي وغيرهما : من أن في أنواع التقدمات تقدم أجزاء الزمان على بعض ، وأن هذا نوع آخر ، وأن تقدم الرب على العالم هو من هذا الجنس .

                  فإن هذا قد يرد لوجهين :

                  أحدهما : أن تقدم بعض أجزاء الزمان على بعض هو بالزمان ، فإنه [ ص: 174 ] ليس المراد بالتقدم بالزمان أن يكون هناك [9] زمان خارج عن التقدم والمتقدم وصفاتهما ، بل المراد أن المتقدم يكون قبل المتأخر [10] القبلية المعقولة كتقدم اليوم على غد ، وأمس على اليوم ، ومعلوم أن تقدم طلوع الشمس ، وما يقارنه من الحوادث على الزوال نوع واحد ، فلا فرق بين تقدم نفس الزمان المتقدم على المتأخر ، وبين تقدم ما يكون في الزمان المتقدم على ما يكون في الزمان المتأخر .

                  الوجه الثاني : أن يقال : أجزاء [11] الزمان متصلة متلاحقة ليس فيها فصل [12] عن [13] الزمان ، ومن قال : إن الباري لم يزل غير فاعل ، ولا يتكلم بمشيئته ، ثم صار . [ فاعلا . و ] متكلما [14] بمشيئته وقدرته يجعل بين هذا وهذا من الفصل [15] ما لا نهاية له ، فكيف يجعل هذا بمنزلة تقدم أجزاء الزمان بعضها على بعض [16] ؟ .

                  وبالجملة فالعلم بأن الفاعل بمشيئته وقدرته ، بل الفاعل مع قطع النظر عن كونه إنما يفعل بمشيئته ، وقدرته - وإن كان هذا لازما له في نفس الأمر - فالعلم [17] بمجرد كونه فاعلا للشيء المعين يوجب العلم بأنه [ ص: 175 ] أبدعه ، وأحدثه ، وصنعه ،   ( 1 يكن 1 ) [18] ( 2 وأن ما فعله بقدرته وإرادته كان بعد أن لم يكن ، وإن قدر دوام كونه فاعلا بقدرته ، وإرادته 2 ) [19] .

                  فعلم أن إرادته لشيء معين في الأزل [ ممتنع ] [20] ; لأن إرادة وجوده تقتضي إرادة وجود لوازمه ; لأن وجود الملزوم بدون [ وجود ] [21] اللازم محال ، فتلك الإرادة القديمة لو اقتضت وجود مراد معين في الأزل لاقتضت وجود لوازمه ، وما من وجود معين من المرادات إلا . وهو مقارن لشيء آخر [22] من الحوادث كالفلك الذي لا ينفك عن الحوادث ، وكذلك العقول والنفوس التي يثبتها هؤلاء الفلاسفة هي لا تزال مقارنة للحوادث ، وإن قالوا : إن الحوادث معلولة لها ، فإنها ملازمة مقارنة لها على كل تقدير .

                  وذلك أن الحوادث مشهودة في العالم ، فإما أن تكون لم تزل مقارنة للعالم ، أو تكون حادثة فيه بعد أن لم تكن ، فإن لم تزل مقارنة له ثبت أن العالم لم يزل مقارنا للحوادث ، وإن قيل : إنها حادثة فيه بعد أن لم تكن كان العالم خاليا عن الحوادث ، ثم حدثت فيه ، وذلك يقتضي حدوث الحوادث بلا سبب حادث ، وهذا ممتنع على ما تقدم ، وكما سلموه هم .

                  [ ص: 176 ] فإن [23] قيل : إن هذا جائز أمكن [24] وجود العالم بما فيه من الحوادث مع القول بأن الحوادث حدثت بعد أن لم تكن حادثة أعني نوع الحوادث ، وإلا فكل حادث معين فهو حادث بعد أن لم يكن .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية