وإذا قيل : ، فليس هو مقدار حركة معينة كحركة الشمس ، أو الفلك الزمان مقدار الحركة [1] ، بل الزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة ، وقد كان قبل أن يخلق الله [2] السماوات والأرض والشمس والقمر حركات وأزمنة ، وبعد أن يقيم الله القيامة ، فتذهب الشمس ، والقمر تكون في الجنة حركات وأزمنة [3] ، كما قال تعالى : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) [ سورة مريم : 62 ] .
وجاء في الآثار أنهم يعرفون الليل والنهار بأنوار تظهر من جهة [ ص: 173 ] العرش ، وكذلك لهم في الآخرة يوم المزيد يوم الجمعة يعرف بما يظهر فيه من الأنوار الجديدة القوية ، وإن كانت الجنة كلها نورا يزهر ، ونهرا يطرد [4] لكن يظهر بعض الأوقات نور آخر يتميز به النهار عن الليل [5] .
فالرب تعالى إذا [ كان ] [6] لم يزل متكلما بمشيئته ، فعالا بمشيئته كان مقدار كلامه وفعاله [7] الذي لم يزل هو الوقت الذي يحدث فيه ما يحدث من مفعولاته ، وهو سبحانه متقدم على كل ما سواه التقدم الحقيقي المعقول [8] .
ولا نحتاج أن نجيب عن هذا بما ذكره الشهرستاني والرازي وغيرهما : من أن في أنواع التقدمات تقدم أجزاء الزمان على بعض ، وأن هذا نوع آخر ، وأن تقدم الرب على العالم هو من هذا الجنس .
فإن هذا قد يرد لوجهين :
أحدهما : أن تقدم بعض أجزاء الزمان على بعض هو بالزمان ، فإنه [ ص: 174 ] ليس المراد بالتقدم بالزمان أن يكون هناك [9] زمان خارج عن التقدم والمتقدم وصفاتهما ، بل المراد أن المتقدم يكون قبل المتأخر [10] القبلية المعقولة كتقدم اليوم على غد ، وأمس على اليوم ، ومعلوم أن تقدم طلوع الشمس ، وما يقارنه من الحوادث على الزوال نوع واحد ، فلا فرق بين تقدم نفس الزمان المتقدم على المتأخر ، وبين تقدم ما يكون في الزمان المتقدم على ما يكون في الزمان المتأخر .
الوجه الثاني : أن يقال : أجزاء [11] الزمان متصلة متلاحقة ليس فيها فصل [12] عن [13] الزمان ، ومن قال : إن الباري لم يزل غير فاعل ، ولا يتكلم بمشيئته ، ثم صار . [ فاعلا . و ] متكلما [14] بمشيئته وقدرته يجعل بين هذا وهذا من الفصل [15] ما لا نهاية له ، فكيف يجعل هذا بمنزلة تقدم أجزاء الزمان بعضها على بعض [16] ؟ .
وبالجملة فالعلم بأن الفاعل بمشيئته وقدرته ، بل الفاعل مع قطع النظر عن كونه إنما يفعل بمشيئته ، وقدرته - وإن كان هذا لازما له في نفس الأمر - [17] بمجرد كونه فاعلا للشيء المعين يوجب العلم بأنه [ ص: 175 ] أبدعه ، وأحدثه ، وصنعه ، ( 1 يكن 1 ) فالعلم [18] ( 2 وأن ما فعله بقدرته وإرادته كان بعد أن لم يكن ، وإن قدر دوام كونه فاعلا بقدرته ، وإرادته 2 ) [19] .
فعلم أن إرادته لشيء معين في الأزل [ ممتنع ] [20] ; لأن إرادة وجوده تقتضي إرادة وجود لوازمه ; لأن وجود الملزوم بدون [ وجود ] [21] اللازم محال ، فتلك الإرادة القديمة لو اقتضت وجود مراد معين في الأزل لاقتضت وجود لوازمه ، وما من وجود معين من المرادات إلا . وهو مقارن لشيء آخر [22] من الحوادث كالفلك الذي لا ينفك عن الحوادث ، وكذلك العقول والنفوس التي يثبتها هؤلاء الفلاسفة هي لا تزال مقارنة للحوادث ، وإن قالوا : إن الحوادث معلولة لها ، فإنها ملازمة مقارنة لها على كل تقدير .
وذلك أن الحوادث مشهودة في العالم ، فإما أن تكون لم تزل مقارنة للعالم ، أو تكون حادثة فيه بعد أن لم تكن ، فإن لم تزل مقارنة له ثبت أن العالم لم يزل مقارنا للحوادث ، وإن قيل : إنها حادثة فيه بعد أن لم تكن كان العالم خاليا عن الحوادث ، ثم حدثت فيه ، وذلك يقتضي حدوث الحوادث بلا سبب حادث ، وهذا ممتنع على ما تقدم ، وكما سلموه هم .
[ ص: 176 ] فإن [23] قيل : إن هذا جائز أمكن [24] وجود العالم بما فيه من الحوادث مع القول بأن الحوادث حدثت بعد أن لم تكن حادثة أعني نوع الحوادث ، وإلا فكل حادث معين فهو حادث بعد أن لم يكن .