الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وإنما النزاع في نوع الحوادث  هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي ، أو في المستقبل فقط ، أو لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل [1] على ثلاثة أقوال معروفة عند أهل [2] النظر من المسلمين وغيرهم أضعفها قول من يقول : لا يمكن دوامها لا في الماضي ، ولا في المستقبل كقول جهم بن صفوان [3] ، وأبي الهذيل العلاف ، وثانيها قول من يقول : يمكن دوامها في المستقبل دون الماضي كقول كثير من أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة ، ومن وافقهم من الكرامية والأشعرية والشيعة ، ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم ، والقول الثالث قول من يقول : [ يمكن ] [4] دوامها في الماضي والمستقبل . كما يقوله أئمة أهل الحديث وأئمة الفلاسفة وغيرهم .

                  لكن القائلون بقدم الأفلاك كأرسطو ، وشيعته يقولون . بدوام حوادث الفلك ، وأنه ما من دورة إلا وهي [5] مسبوقة بأخرى لا إلى أول وأن الله [ ص: 177 ] لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، [ بل حقيقة قولهم : إن الله لم يخلق شيئا ، كما بين في موضع آخر ] [6] ، وهذا كفر باتفاق أهل الملل : المسلمين ، واليهود والنصارى .

                  وهؤلاء القائلون بقدمها يقولون . بأزلية الحوادث في الممكنات ، وأما الذين يقولون : إن الله خالق كل شيء ، [ وربه ، ومليكه ] [7] ، وما سواه مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن ، فهم يفرقون بين الخالق الواجب ، والمخلوق الممكن في دوام الحوادث وهذا قول أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة [ القدماء ] [8] ، فهم وإن قالوا : إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء ، ولم [9] يزل حيا فعالا فإنهم يقولون : إن ما سواه مخلوق حادث بعد أن لم يكن .

                  والمقصود هنا أن الفلاسفة القائلين بقدم العالم إن جوزوا حدوث الحوادث بلا سبب حادث بطلت عمدتهم في قدم العالم ، وإن منعوا ذلك امتنع خلو العالم عن الحوادث  ، وهم [ لا ] يسلمون [10] أنه لم يخل من الحوادث .

                  وإذا كان [ كل ] [11] موجود معين من مرادات الله التي يخلقها ، فإنه مقارن [12] [ ص: 178 ] للحوادث مستلزم لها امتنع إرادته دون إرادة لوازمه التي لا ينفك عنها ، والله رب كل شيء ، وخالقه لا رب غيره ، فيمتنع أن يكون بعض ذلك بإرادته ، وبعضه بإرادة غيره ، بل الجميع بإرادته .

                  وحينئذ فالإرادة الأزلية القديمة [13] إما أن تكون مستلزمة لمقارنة مرادها لها ، وإما أن لا تكون كذلك ، فإن كان الأول لزم أن يكون المراد ولوازمه قديما أزليا ، والحوادث لازمة لكل مراد مصنوع ، فيجب أن تكون مرادة له ، وأن تكون قديمة أزلية [14] ، إذ التقدير أن المراد مقارن للإرادة ، فيلزم أن تكون جميع الحوادث المتعاقبة قديمة أزلية ، وهذا ممتنع لذاته .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية