الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما سائر حماقاتهم فكثيرة جدا : مثل كون بعضهم لا يشرب من نهر ( 5 حفره يزيد مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والذين معه [1] كانوا يشربون من آبار ، وأنهار 5 ) [2] حفرها الكفار ، وبعضهم لا يأكل من التوت الشامي ، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن معه كانوا يأكلون [3] مما يجلب من بلاد الكفار من الجبن ، ويلبسون ما تنسجه الكفار ، بل غالب ثيابهم كانت من نسج الكفار .

                  ومثل كونهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة ، أو فعل شيء يكون عشرة حتى في [4] البناء لا يبنون على عشرة أعمدة [5] ، ولا بعشرة جذوع ، ونحو ذلك [ ص: 39 ] لكونهم يبغضون خيار الصحابة ، وهم العشرة المشهود لهم بالجنة - أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد [ بن عمرو بن نفيل ] [6] ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنهم - [7] - يبغضون هؤلاء إلا علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] [8] ، ويبغضون سائر المهاجرين ، والأنصار من السابقين الأولين [9] الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة - وكانوا ألفا وأربعمائة - وقد أخبر الله أنه قد رضي عنهم .

                  وثبت في صحيح مسلم ، وغيره عن جابر أيضا [10] أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال : يا رسول الله ، والله ليدخلن حاطب النار ، فقال . النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( كذبت إنه شهد بدرا والحديبية . ) [11] .

                  وهم يتبرأون من جمهور هؤلاء ، بل [ يتبرأون ] من سائر [12] أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نفرا قليلا نحو بضعة عشر .

                  ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس لم يجب هجر هذا [ ص: 40 ] الاسم [ لذلك ] [13] ، كما أنه سبحانه [ وتعالى ] [14] لما قال : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) [ سورة النمل : 48 ] لم يجب هجر اسم التسعة مطلقا ، بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع [15] كقوله [ تعالى في متعة الحج ] [16] : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) [ سورة البقرة : 196 ] [17] ، وقال تعالى : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ) [ سورة الأعراف : 142 ] [18] ، وقال تعالى : ( والفجر وليال عشر ) [ سورة الفجر 1 - 2 ] ، ( * وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى [19] ، وقال في ليلة القدر : ( التمسوها في العشر الأواخر . * ) [20] ، وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [21] ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب . [ ص: 41 ] إلى الله من هذه الأيام العشر . ) [22] ، ونظائر ذلك متعددة .

                  [ . ومن العجب أنهم يوالون لفظ التسعة ، وهم يبغضون التسعة من العشرة ، فإنهم يبغضونهم إلا عليا ] [23] .

                  وكذلك هجرهم لاسم أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، ولمن يتسمى بذلك حتى [ إنهم ] يكرهون [24] معاملته ، ومعلوم أن هؤلاء لو كانوا من أكفر الناس لم يشرع أن لا يتسمى الرجل بمثل أسمائهم ، فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت له . [25] في الصلاة ، ويقول : اللهم أنج الوليد بن الوليد [26] ، وأبوه الوليد بن المغيرة كان [27] من أعظم الناس كفرا ، وهو الوحيد المذكور في قوله تعالى : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) ، [ سورة المدثر : 11 ] [28] وفي الصحابة من اسمه عمرو ، وفي المشركين من [ ص: 42 ] . اسمه عمرو [ مثل عمرو ] [29] بن عبد ود ، وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام ، ( 2 وفي الصحابة خالد بن سعيد بن العاص من السابقين الأولين ، وفي المشركين خالد بن سفيان الهذلي 2 ) [30] ، وفي الصحابة من اسمه هشام مثل هشام بن حكيم ، وأبو جهل كان اسم أبيه هشاما ، وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري ، وعقبة بن عامر الجهني [31] .

                  وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط ، وفي الصحابة علي ، وعثمان [32] ، وكان في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرا ، ومثل عثمان بن [ أبي ] طلحة قتل قبل أن يسلم [33] ، ومثل هذا كثير .

                  فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمؤمنون يكرهون اسما من الأسماء لكونه قد تسمى به كافر من الكفار ، فلو [34] قدر أن المسمين بهذه [ ص: 43 ] [ الأسماء ] [35] كفار لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء مع العلم لكل أحد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوهم بها ، ويقر الناس على دعائهم بها ، وكثير منهم يزعم أنهم كانوا منافقين ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنهم منافقون ، وهو مع هذا [36] يدعوهم بها ، وعلي [ بن أبي طالب رضي الله عنه ] [37] قد سمى أولاده بها [38] فعلم أن جواز الدعاء بهذه الأسماء [39] - سواء كان [ ذلك ] [40] المسمى بها مسلما ، أو كافرا - أمر معلوم [41] من دين الإسلام ، فمن كره أن يدعو أحدا بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام ، ثم مع هذا إذا تسمى الرجل عندهم [ باسم ] [42] علي ، أو جعفر ، أو حسن ، أو حسين ، أو نحو ذلك [43] عاملوه ، وأكرموه ، ولا دليل لهم . [ في ذلك ] [44] على أنه منهم ، ( 11 بل أهل السنة يتسمون بهذه الأسماء ، فليس في التسمية بها ما يدل على أنهم منهم 11 ) [45] ، والتسمية بتلك الأسماء قد تكون فيهم ، فلا يدل على أن المسمى [ بها ] من أهل السنة لكن القوم [ ص: 44 ] في غاية الجهل ، والهوى .

                  وينبغي [ أيضا ] [46] أن يعلم أنه ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلا ، بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ، ووافقهم بعض ، والصواب مع من وافقهم لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها ، فمن الناس من يعد من بدعهم الجهر بالبسملة ، وترك المسح على الخفين إما مطلقا ، وإما في الحضر ، والقنوت في الفجر ، ومتعة الحج ، ومنع لزوم الطلاق البدعي [47] ، وتسطيح القبور ، وإسبال اليدين في الصلاة ، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة ، وقد يكون الصواب فيها القول [48] الذي يوافقهم ، كما يكون الصواب هو القول الذي يخالفهم لكن المسألة اجتهادية ، فلا تنكر إلا إذا صارت شعارا لأمر لا يسوغ ، فتكون دليلا على ما يجب إنكاره ، وإن كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد ، ومن هذا . وضع الجريد على القبر ، فإنه منقول عن بعض الصحابة ، وغير ذلك من المسائل .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية