وأما سائر فكثيرة جدا : مثل كون بعضهم لا يشرب من نهر ( 5 حفره حماقاتهم يزيد مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والذين معه [1] كانوا يشربون من آبار ، وأنهار 5 ) [2] حفرها الكفار ، وبعضهم لا يأكل من التوت الشامي ، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن معه كانوا يأكلون [3] مما يجلب من بلاد الكفار من الجبن ، ويلبسون ما تنسجه الكفار ، بل غالب ثيابهم كانت من نسج الكفار .
ومثل كونهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة ، أو فعل شيء يكون عشرة حتى في [4] البناء لا يبنون على عشرة أعمدة [5] ، ولا بعشرة جذوع ، ونحو ذلك [ ص: 39 ] لكونهم يبغضون خيار الصحابة ، وهم العشرة المشهود لهم بالجنة - ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد [ بن عمرو بن نفيل ] [6] ، ، وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهم - وأبو عبيدة بن الجراح [7] - يبغضون هؤلاء إلا [ رضي الله عنه ] علي بن أبي طالب [8] ، ويبغضون سائر المهاجرين ، والأنصار من السابقين الأولين [9] الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة - وكانوا ألفا وأربعمائة - وقد أخبر الله أنه قد رضي عنهم .
وثبت في صحيح ، وغيره عن مسلم أيضا جابر [10] قال : يا رسول الله ، والله ليدخلن حاطب بن أبي بلتعة النار ، فقال . النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( كذبت إنه شهد حاطب بدرا والحديبية . ) أن غلام [11] .
وهم يتبرأون من جمهور هؤلاء ، بل [ يتبرأون ] من سائر [12] أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نفرا قليلا نحو بضعة عشر .
ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس لم يجب هجر هذا [ ص: 40 ] الاسم [ لذلك ] [13] ، كما أنه سبحانه [ وتعالى ] [14] لما قال : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) [ سورة النمل : 48 ] لم يجب هجر اسم التسعة مطلقا ، بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع [15] كقوله [ تعالى في متعة الحج ] [16] : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) [ سورة البقرة : 196 ] [17] ، وقال تعالى : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ) [ سورة الأعراف : 142 ] [18] ، وقال تعالى : ( والفجر وليال عشر ) [ سورة الفجر 1 - 2 ] ، ( * وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى [19] ، وقال في ليلة القدر : ( . * ) التمسوها في العشر الأواخر [20] ، وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [21] ( . ) ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب . [ ص: 41 ] إلى الله من هذه الأيام العشر [22] ، ونظائر ذلك متعددة .
[ . ومن العجب أنهم يوالون لفظ التسعة ، وهم يبغضون التسعة من العشرة ، فإنهم يبغضونهم إلا ] عليا [23] .
وكذلك هجرهم لاسم ، أبي بكر ، وعمر ، ولمن يتسمى بذلك حتى [ إنهم ] يكرهون وعثمان [24] معاملته ، ومعلوم أن هؤلاء لو كانوا من أكفر الناس لم يشرع أن لا يتسمى الرجل بمثل أسمائهم ، فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد ، [25] في الصلاة ، ويقول : اللهم أنج الوليد بن الوليد وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت له . [26] ، وأبوه الوليد بن المغيرة كان [27] من أعظم الناس كفرا ، وهو الوحيد المذكور في قوله تعالى : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) ، [ سورة المدثر : 11 ] [28] وفي الصحابة من اسمه عمرو ، وفي المشركين من [ ص: 42 ] . اسمه عمرو [ مثل عمرو ] [29] بن عبد ود ، وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام ، ( 2 وفي الصحابة من السابقين الأولين ، وفي المشركين خالد بن سعيد بن العاص خالد بن سفيان الهذلي 2 ) [30] ، وفي الصحابة من اسمه هشام مثل هشام بن حكيم ، وأبو جهل كان اسم أبيه هشاما ، وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري ، وعقبة بن عامر الجهني [31] .
وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط ، وفي الصحابة ، علي وعثمان [32] ، وكان في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرا ، ومثل عثمان بن [ أبي ] طلحة قتل قبل أن يسلم [33] ، ومثل هذا كثير .
فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمؤمنون يكرهون اسما من الأسماء لكونه قد تسمى به كافر من الكفار ، فلو [34] قدر أن المسمين بهذه [ ص: 43 ] [ الأسماء ] [35] كفار لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء مع العلم لكل أحد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوهم بها ، ويقر الناس على دعائهم بها ، وكثير منهم يزعم أنهم كانوا منافقين ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنهم منافقون ، وهو مع هذا [36] يدعوهم بها ، رضي الله عنه ] وعلي [ بن أبي طالب [37] قد سمى أولاده بها [38] فعلم أن جواز الدعاء بهذه الأسماء [39] - سواء كان [ ذلك ] [40] المسمى بها مسلما ، أو كافرا - أمر معلوم [41] من دين الإسلام ، فمن كره أن يدعو أحدا بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام ، ثم مع هذا إذا تسمى الرجل عندهم [ باسم ] [42] علي ، أو جعفر ، أو حسن ، أو حسين ، أو نحو ذلك [43] عاملوه ، وأكرموه ، ولا دليل لهم . [ في ذلك ] [44] على أنه منهم ، ( 11 بل أهل السنة يتسمون بهذه الأسماء ، فليس في التسمية بها ما يدل على أنهم منهم 11 ) [45] ، والتسمية بتلك الأسماء قد تكون فيهم ، فلا يدل على أن المسمى [ بها ] من أهل السنة لكن القوم [ ص: 44 ] في غاية الجهل ، والهوى .
وينبغي [ أيضا ] [46] أن يعلم أنه ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلا ، بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ، ووافقهم بعض ، والصواب مع من وافقهم لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها ، فمن الناس من يعد من بدعهم الجهر بالبسملة ، وترك المسح على الخفين إما مطلقا ، وإما في الحضر ، والقنوت في الفجر ، ومتعة الحج ، ومنع لزوم الطلاق البدعي [47] ، وتسطيح القبور ، وإسبال اليدين في الصلاة ، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة ، وقد يكون الصواب فيها القول [48] الذي يوافقهم ، كما يكون الصواب هو القول الذي يخالفهم لكن المسألة اجتهادية ، فلا تنكر إلا إذا صارت شعارا لأمر لا يسوغ ، فتكون دليلا على ما يجب إنكاره ، وإن كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد ، ومن هذا . وضع الجريد على القبر ، فإنه منقول عن بعض الصحابة ، وغير ذلك من المسائل .