الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " إنه الطليق ابن الطليق " .

                  فهذا ليس نعت ذم ; فإن الطلقاء هم مسلمة الفتح ، [ الذين أسلموا عام فتح مكة ] [1]

                  ، وأطلقهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانوا نحوا من ألفي رجل ، وفيهم من صار من خيار المسلمين ، كالحارث بن هشام ، وسهل بن عمرو [2] .

                  ، وصفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، ويزيد بن أبي سفيان ، وحكيم بن حزام ، وأبي سفيان بن الحارث [ بن عبد المطلب ] [3] .

                  ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يهجوه ثم حسن إسلامه ، وعتاب بن أسيد الذي ولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة لما فتحها [4] " .

                  ، وغير هؤلاء ممن حسن إسلامه .

                  [ ص: 382 ] ومعاوية ممن حسن إسلامه باتفاق أهل العلم . ولهذا ولاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - موضع أخيه يزيد بن أبي سفيان لما مات أخوه يزيد بالشام ، وكان يزيد بن أبي سفيان من خيار الناس ، وكان أحد الأمراء الذين بعثهم أبو بكر وعمر لفتح الشام : يزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، وعمرو بن العاص ، مع أبي عبيدة بن الجراح ، وخالد بن الوليد ، فلما توفي يزيد بن أبي سفيان ولى عمر مكانه أخاه معاوية [5] .

                  ، وعمر لم يكن تأخذه في الله لومة لائم ، وليس هو ممن يحابي في الولاية ، ولا كان ممن يحب أبا سفيان أباه ، بل كان من أعظم الناس عداوة لأبيه أبي سفيان قبل الإسلام ، حتى إنه لما جاء به العباس يوم فتح مكة كان عمر حريصا على قتله ، حتى جرى بينه وبين العباس نوع من المخاشنة بسبب بغض عمر لأبي سفيان . فتولية عمر لابنه معاوية ليس لها سبب دنيوي ، ولولا استحقاقه للإمارة لما أمره .

                  ثم إنه بقي في الشام عشرين سنة أميرا ، وعشرين سنة خليفة ، ورعيته من أشد الناس محبة له وموافقة له [6] .

                  ، وهو من أعظم الناس إحسانا إليهم وتأليفا لقلوبهم ، حتى إنهم [7] .

                  قاتلوا معه علي [ بن أبي طالب ] [8] .

                  وصابروا [ ص: 383 ] عسكره ، حتى قاوموهم وغلبوهم [9] .

                  ، وعلي أفضل منه وأعلى درجة ، وهو أولى بالحق منه باتفاق الناس ، وعسكر معاوية يعلمون أن عليا أفضل منه وأحق بالأمر [10] .

                  ، ولا ينكر ذلك [ منهم ] [11] .

                  إلا معاند أو من أعمى الهوى قلبه .

                  ولم يكن معاوية قبل تحكيم الحكمين يدعي الأمر لنفسه ، ولا يتسمى بأمير المؤمنين ، بل إنما [12] .

                  ادعى [ ذلك ] [13]

                  بعد حكم الحكمين ، وكان غير واحد من عسكر معاوية يقول له : لم ذا ؟ تقاتل عليا وليس لك سابقته ولا فضله [14] .

                  ولا صهره ، وهو أولى بالأمر منك ؟ فيعترف لهم معاوية بذلك .

                  لكن قاتلوا مع معاوية لظنهم أن عسكر علي فيه [15] .

                  ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان ، وأنهم يقاتلونهم دفعا لصيالهم عليهم [16] .

                  ، وقتال الصائل جائز ، ولهذا لم يبدءوهم بالقتال حتى بدأهم أولئك . ولهذا قال الأشتر النخعي : إنهم ينصرون علينا لأنا نحن بدأناهم بدأناهم :

                  [17]

                  وعلي - رضي الله عنه - كان عاجزا عن قهر الظلمة من العسكرين ، ولم [ ص: 384 ] تكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به ، وأعوان معاوية يوافقونه ، وكان يرى أن القتال يحصل به المطلوب ، فما حصل به إلا ضد المطلوب ، وكان في عسكر معاوية من يتهم عليا بأشياء من الظلم هو بريء منها [18] .

                  ، وطالب الحق من عسكر معاوية يقول : لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا ، ونحن إذا بايعنا عليا ظلمنا عسكره ، كما ظلم [19] .

                  عثمان . وعلي إما عاجز عن العدل علينا ، أو غير فاعل لذلك ، وليس علينا أن نبايع عاجزا عن العدل علينا ولا تاركا له . فأئمة السنة يعلمون أنه ما كان القتال مأمورا به : لا واجبا ولا مستحبا ، ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية