الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " كان معاوية من المؤلفة قلوبهم " .

                  فنعم وأكثر الطلقاء كلهم [1] .

                  من المؤلفة قلوبهم ، كالحارث بن هشام ، وابن أخيه عكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية ، وحكيم بن حزام ، وهؤلاء من خيار المسلمين . والمؤلفة قلوبهم غالبهم حسن إسلامه [2] .

                  ، وكان الرجل منهم يسلم أول النهار رغبة منه في الدنيا ، فلا يجيء آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس .

                  وأما قوله : " وقاتل عليا وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حق ، وكل من قاتل إمام حق فهو باغ ظالم " .

                  [ ص: 385 ] فيقال له : أولا : الباغي قد يكون متأولا معتقدا أنه على حق ، وقد يكون متعمدا يعلم أنه باغ ، وقد يكون بغيه مركبا [3] .

                  من شبهة وشهوة [4] .

                  ، وهو الغالب . وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة ; فإنهم لا ينزهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب ، فضلا عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد ، بل يقولون : إن الذنوب لها أسباب تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وغير ذلك . وهذا أمر يعم الصحابة وغيرهم . والحكاية المعروفة [5] .

                  عن المسور بن مخرمة ، وكان من خيار صغار الصحابة ، لما أتى معاوية ، وخلا به ، وطلب منه أن يخبره [6] .

                  بجميع ما ينقمه عليه [7]

                  ، فذكر له المسور جميع ما ينقمه عليه [8] .

                  . فقال : ومع هذا يا مسور ألك سيئات ؟ قال : نعم . قال : أترجو أن يغفرها الله ؟ قال : نعم . قال : فما جعلك أرجى لرحمة الله مني [9] .

                  ؟ وإني مع ذلك والله ما خيرت بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على غيره ، ووالله لما أليه [10] .

                  من الجهاد وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل من عملك ، وأنا [ ص: 386 ] على دين يقبل من أهله [11] .

                  الحسنات ، ويتجاوز لهم عن السيئات ، فما جعلك أرجى لرحمة الله مني ؟ قال [12] .

                  المسور [ بن مخرمة ] [13] .

                  : فخصمني . أو كما قال .

                  ويقال لهم : ثانيا : أما أهل السنة فأصلهم مستقيم مطرد في هذا الباب . وأما أنتم فمتناقضون . وذلك أنالنواصب - من الخوارج وغيرهم - الذين يكفرون عليا أو يفسقونه أو يشكون في عدالته من المعتزلة والمروانية وغيرهم ، لو قالوا لكم : ما الدليل على إيمان علي وإمامته وعدله ؟ لم يكن لكم حجة ; فإنكم إن احتججتم بما تواتر من إسلامه وعبادته ، قالوا لكم : وهذا متواتر عن الصحابة ، والتابعين ، والخلفاء الثلاثة ، وخلفاء بني أمية كمعاوية ويزيد وعبد الملك وغيرهم ، وأنتم تقدحون في إيمانهم ، فليس قدحنا في إيمان علي وغيره إلا وقد حكم في إيمان هؤلاء أعظم ، والذين تقدحون أنتم فيهم أعظم من الذين نقدح نحن فيهم ، وإن احتججتم بما في القرآن من الثناء والمدح . قالوا : آيات القرآن عامة تتناول أبا بكر [14] .

                  وعمر وعثمان وغيرهم مثل ما تتناول عليا أو أعظم من ذلك . وأنتم [ قد ] [15] .

                  أخرجتم هؤلاء من المدح والثناء فإخراجنا عليا أيسر . وإن قلتم بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائله : قالوا : هذه الفضائل روتها الصحابة الذين رووا فضائل أولئك ، [ ص: 387 ] فإن كانوا عدولا فاقبلوا الجميع ، وإن كانوا فساقا فإن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ، وليس لأحد أن يقول في الشهود : إنهم إن شهدوا لي كانوا عدولا ، وإن شهدوا علي كانوا فساقا ، أو : إن شهدوا بمدح من أحببته كانوا عدولا ، وإن شهدوا بمدح من أبغضته ص : من أبغضه .

                  كانوا فساقا .

                  وأما إمامة علي فهؤلاء ينازعونكم في إمامته هم وغيرهم . فإن احتججتم عليهم بالنص الذي تدعونه ، كان احتجاجهم بالنصوص التي يدعونها لأبي بكر - بل العباس [16] .

                  - معارضا لذلك ، ولا ريب عند كل من يعرف الحديث أن تلك أولى بالقبول والتصديق . وكذلك يستدل على تصديقها بدلالات كثيرة يعلمها من ليس من علماء أهل الحديث . وإن احتججتم بمبايعة الناس له . قالوا : من المعلوم أن الناس اجتمعوا على بيعة [17] .

                  أبي بكر وعمر وعثمان أعظم مما اجتمعوا على بيعة [18] .

                  علي ، وأنتم قد قدحتم في تلك البيعة ، فالقدح في هذه أيسر ، فلا تحتجون على إمامة علي [19] .

                  بنص ولا إجماع إلا كان مع أولئك من النص والإجماع ما هو أقوى من حجتكم ، فيكون إثبات خلافة من قدحتم في خلافته أولى من إثبات خلافة من أثبتم [20] .

                  خلافته .

                  وهذا لا يرد على أهل السنة ; فإنهم يثبتون خلافة الخلفاء كلهم ، [ ص: 388 ] ويستدلون على صحة خلافتهم بالنصوص الدالة عليه ، ويقولون : إنها انعقدت بمبايعة أهل الشوكة لهم ، وعلي بايعه أهل الشوكة ، وإن كانوا لم يجتمعوا عليه كما اجتمعوا على من قبله ، لكن لا ريب أنه كان له سلطان وقوة بمبايعة أهل الشوكة له ، وقد دل النص على أن خلافته [21] .

                  خلافة نبوة .

                  وأما تخلف من تخلف عن مبايعته ، فعذرهم في ذلك أظهر من عذر سعد بن عبادة وغيره لما تخلفوا عن بيعة أبي بكر ، وإن كان لم يستقر تخلف أحد إلا سعد وحده . وأما علي وغيره فبايعوا الصديق بلا خلاف بين الناس . لكن قيل : إنهم [22] .

                  تأخروا عن مبايعته [23] .

                  ستة أشهر ، ثم بايعوه .

                  وهم يقولون للشيعة : علي إما أن يكون تخلف أولا عن بيعة أبي بكر ، ثم بايعه بعد ستة أشهر ، كما تقول ذلك طائفة من أهل السنة مع الشيعة . وإما أن يكون بايعه أول يوم ، كما يقول ذلك طائفة أخرى . فإن كان الثاني بطل قول الشيعة : إنه تخلف عن بيعته ، وثبت أنه كان من أول السابقين إلى بيعته . وإن كان الأول ، فعذر من تخلف عن بيعة علي أظهر من عذر من تخلف عن بيعة أبي بكر ؛ لأن النص والإجماع المثبتين لخلافة أبي بكر ، ليس في خلافة علي مثلها [24] .

                  ، فإنه ليس في الصحيحين ما يدل على خلافته ، وإنما روى ذلك أهل السنن .

                  [ ص: 389 ] وقد طعن بعض أهل الحديث في حديث سفينة [25] .

                  . وأما الإجماع فقد تخلف عن بيعته والقتال معه نصف الأمة ، أو أقل أو أكثر .

                  والنصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقتضي أن ترك القتال كان خيرا للطائفتين ، وأن القعود عن القتال كان خيرا من القيام فيه ، وأن عليا ، مع كونه أولى بالحق من معاوية ( 2 وأقرب إلى الحق عن معاوية 2 ) ( 2 - 2 ) : [26] . ، لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرا .

                  وأهل السنة و : السنن . يترحمون على الجميع ، ويستغفرون لهم ، كما أمرهم الله تعالى بقوله : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .

                  وأما الرافضي فإذا قدح في معاوية - رضي الله عنه - بأنه كان باغيا ظالما ، قال له الناصبي : وعلي أيضا كان باغيا ظالما لما قاتل المسلمين على إمارته ، وبدأهم بالقتال ، وصال عليهم ، وسفك دماء الأمة بغير فائدة لهم [27] .

                  : لا في دينهم ولا في دنياهم ، وكان السيف في خلافته مسلولا على أهل الملة ، مكفوفا عن الكفار .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية