وأما قوله : " من المؤلفة قلوبهم معاوية " . كان
فنعم وأكثر الطلقاء كلهم [1] .
من المؤلفة قلوبهم ، ، وابن أخيه كالحارث بن هشام ، عكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية ، وهؤلاء من خيار المسلمين . وحكيم بن حزام والمؤلفة قلوبهم غالبهم حسن إسلامه [2] .
، وكان الرجل منهم يسلم أول النهار رغبة منه في الدنيا ، فلا يجيء آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس .
وأما قوله : " وقاتل وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حق ، وكل من قاتل إمام حق فهو باغ ظالم " . عليا
[ ص: 385 ] فيقال له : أولا : ، وقد يكون متعمدا يعلم أنه باغ ، وقد يكون بغيه مركبا الباغي قد يكون متأولا معتقدا أنه على حق [3] .
من شبهة وشهوة [4] .
، وهو الغالب . وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة ; فإنهم ولا من هو أفضل منه من الذنوب معاوية ، فضلا عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد ، بل يقولون : إن الذنوب لها أسباب تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وغير ذلك . وهذا أمر يعم الصحابة وغيرهم . والحكاية المعروفة لا ينزهون [5] .
عن ، وكان من خيار صغار الصحابة ، لما أتى المسور بن مخرمة ، وخلا به ، وطلب منه أن يخبره معاوية [6] .
بجميع ما ينقمه عليه [7]
، فذكر له المسور جميع ما ينقمه عليه [8] .
. فقال : ومع هذا يا مسور ألك سيئات ؟ قال : نعم . قال : أترجو أن يغفرها الله ؟ قال : نعم . قال : فما جعلك أرجى لرحمة الله مني [9] .
؟ وإني مع ذلك والله ما خيرت بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على غيره ، ووالله لما أليه [10] .
من الجهاد وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل من عملك ، وأنا [ ص: 386 ] على دين يقبل من أهله [11] .
الحسنات ، ويتجاوز لهم عن السيئات ، فما جعلك أرجى لرحمة الله مني ؟ قال [12] .
] المسور [ بن مخرمة [13] .
: فخصمني . أو كما قال .
ويقال لهم : ثانيا : أما أهل السنة فأصلهم مستقيم مطرد في هذا الباب . وأما أنتم فمتناقضون . وذلك أنالنواصب - من الخوارج وغيرهم - الذين يكفرون أو يفسقونه أو يشكون في عدالته من عليا المعتزلة والمروانية وغيرهم ، لو قالوا لكم : ما الدليل على إيمان وإمامته وعدله ؟ لم يكن لكم حجة ; فإنكم إن احتججتم بما تواتر من إسلامه وعبادته ، قالوا لكم : وهذا متواتر عن الصحابة ، والتابعين ، والخلفاء الثلاثة ، وخلفاء علي بني أمية كمعاوية ويزيد وعبد الملك وغيرهم ، وأنتم تقدحون في إيمانهم ، فليس قدحنا في إيمان وغيره إلا وقد حكم في إيمان هؤلاء أعظم ، والذين تقدحون أنتم فيهم أعظم من الذين نقدح نحن فيهم ، وإن احتججتم بما في القرآن من الثناء والمدح . قالوا : آيات القرآن عامة تتناول علي أبا بكر [14] .
وعمر وغيرهم مثل ما تتناول وعثمان أو أعظم من ذلك . وأنتم [ قد ] عليا [15] .
أخرجتم هؤلاء من المدح والثناء فإخراجنا أيسر . وإن قلتم بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائله : قالوا : هذه الفضائل روتها الصحابة الذين رووا فضائل أولئك ، [ ص: 387 ] فإن كانوا عدولا فاقبلوا الجميع ، وإن كانوا فساقا فإن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ، وليس لأحد أن يقول في الشهود : إنهم إن شهدوا لي كانوا عدولا ، وإن شهدوا علي كانوا فساقا ، أو : إن شهدوا بمدح من أحببته كانوا عدولا ، وإن شهدوا بمدح من أبغضته ص : من أبغضه . عليا
كانوا فساقا .
وأما إمامة فهؤلاء ينازعونكم في إمامته هم وغيرهم . فإن احتججتم عليهم بالنص الذي تدعونه ، كان احتجاجهم بالنصوص التي يدعونها علي - بل لأبي بكر العباس [16] .
- معارضا لذلك ، ولا ريب عند كل من يعرف الحديث أن تلك أولى بالقبول والتصديق . وكذلك يستدل على تصديقها بدلالات كثيرة يعلمها من ليس من علماء أهل الحديث . وإن احتججتم بمبايعة الناس له . قالوا : من المعلوم أن الناس اجتمعوا على بيعة [17] .
أبي بكر وعمر أعظم مما اجتمعوا على بيعة وعثمان [18] .
، وأنتم قد قدحتم في تلك البيعة ، فالقدح في هذه أيسر ، فلا تحتجون على إمامة علي علي [19] .
بنص ولا إجماع إلا كان مع أولئك من النص والإجماع ما هو أقوى من حجتكم ، فيكون إثبات خلافة من قدحتم في خلافته أولى من إثبات خلافة من أثبتم [20] .
خلافته .
وهذا لا يرد على أهل السنة ; فإنهم يثبتون خلافة الخلفاء كلهم ، [ ص: 388 ] ويستدلون على صحة خلافتهم بالنصوص الدالة عليه ، ويقولون : إنها انعقدت بمبايعة أهل الشوكة لهم ، بايعه أهل الشوكة ، وإن كانوا لم يجتمعوا عليه كما اجتمعوا على من قبله ، لكن لا ريب أنه كان له سلطان وقوة بمبايعة أهل الشوكة له ، وقد دل النص على أن خلافته وعلي [21] .
خلافة نبوة .
وأما تخلف من تخلف عن مبايعته ، فعذرهم في ذلك أظهر من عذر وغيره لما تخلفوا عن بيعة سعد بن عبادة ، وإن كان لم يستقر تخلف أحد إلا أبي بكر سعد وحده . وأما وغيره فبايعوا الصديق بلا خلاف بين الناس . لكن قيل : إنهم علي [22] .
تأخروا عن مبايعته [23] .
ستة أشهر ، ثم بايعوه .
وهم يقولون للشيعة : إما أن يكون تخلف أولا عن بيعة علي ، ثم بايعه بعد ستة أشهر ، كما تقول ذلك طائفة من أهل السنة مع أبي بكر الشيعة . وإما أن يكون بايعه أول يوم ، كما يقول ذلك طائفة أخرى . فإن كان الثاني بطل قول الشيعة : إنه تخلف عن بيعته ، وثبت أنه كان من أول السابقين إلى بيعته . وإن كان الأول ، فعذر من تخلف عن بيعة أظهر من عذر من تخلف عن بيعة علي ؛ لأن النص والإجماع المثبتين لخلافة أبي بكر ، ليس في خلافة أبي بكر مثلها علي [24] .
، فإنه ليس في الصحيحين ما يدل على خلافته ، وإنما روى ذلك أهل السنن .
[ ص: 389 ] وقد طعن بعض أهل الحديث في حديث سفينة [25] .
. وأما الإجماع فقد تخلف عن بيعته والقتال معه نصف الأمة ، أو أقل أو أكثر .
والنصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقتضي أن ترك القتال كان خيرا للطائفتين ، وأن القعود عن القتال كان خيرا من القيام فيه ، وأن ، مع كونه أولى بالحق من عليا ( 2 وأقرب إلى الحق عن معاوية 2 ) ( 2 - 2 ) : معاوية [26] . ، لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرا .
وأهل السنة و : السنن . يترحمون على الجميع ، ويستغفرون لهم ، كما أمرهم الله تعالى بقوله : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .
وأما الرافضي فإذا قدح في - رضي الله عنه - بأنه كان باغيا ظالما ، قال له الناصبي : معاوية أيضا كان باغيا ظالما لما قاتل المسلمين على إمارته ، وبدأهم بالقتال ، وصال عليهم ، وسفك دماء الأمة بغير فائدة لهم وعلي [27] .
: لا في دينهم ولا في دنياهم ، وكان السيف في خلافته مسلولا على أهل الملة ، مكفوفا عن الكفار .