والقادحون في  علي  طوائف : طائفة تقدح فيه وفيمن قاتله جميعا . وطائفة تقول : فسق [1]  . 
أحدهما لا بعينه ، كما يقول ذلك عمرو بن عبيد   [ ص: 390 ] وغيره من شيوخ المعتزلة  ، ويقولون في أهل الجمل : فسق إحدى الطائفتين لا بعينها ، وهؤلاء يفسقون  معاوية   . وطائفة تقول [2]  . 
: هو الظالم دون  معاوية  ، كما يقول [ ذلك ] المروانية [3]  . 
. وطائفة تقول [4]  . 
: كان في أول الأمر مصيبا [5]  . 
، فلما حكم الحكمين كفر وارتد [ عن الإسلام ] [6]  . 
ومات كافرا . وهؤلاء هم الخوارج   . 
فالخوارج  والمروانية وكثير من المعتزلة   وغيرهم يقدحون في  علي   - رضي الله عنه - . وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون . وخطأ الشيعة  في القدح في  أبي بكر   وعمر  أعظم من خطأ أولئك . فإن قال الذاب [7]  . 
عن  علي   : ( * هؤلاء الذين قاتلهم  علي  كانوا بغاة ، فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار بن ياسر   - رضي الله عنه - : " تقتلك الفئة الباغية  " [8]  . 
وهم قتلوا  عمارا   . فههنا للناس أقوال : منهم من قدح [9]  . 
في حديث  عمار  ، ومنهم من تأوله على أن الباغي الطالب ، وهو تأويل ضعيف . وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم -  كأبي حنيفة   [ ص: 391 ]  ومالك   وأحمد  وغيرهم : لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية   ; فإن الله لم يأمر بقتالها ابتداء ، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ، ثم إن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي . وهؤلاء قوتلوا ابتداء قبل أن يبدءوا بقتال . [ ومذهب  أبي حنيفة   وأحمد  وغيرهما أن مانعي الزكاة إذا قالوا : نحن [10]  . 
نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام ، لم يكن له قتالهم ، ] [11]  . 
ولهذا كان هذا القتال عند  أحمد  وغيره -  كمالك   - قتال فتنة .  وأبو حنيفة  يقول : لا يجوز قتال البغاة حتى يبدءوا بقتال الإمام   . وهؤلاء لم يبدءوه [12]  . 
[ بل الخوارج  بدءوا به ] [13]  . 
. وأما قتال الخوارج  فهو ثابت بالنص [14]  . 
والإجماع . 
فإن قال الذاب [15]  . 
عن  علي   * ) [16]  . كان [  علي   ] [17]  . 
مجتهدا في ذلك . قال له منازعه :  ومعاوية  كان مجتهدا [ في ذلك . فإن قال : كان مجتهدا مصيبا ، ففي الناس من يقول له :  ومعاوية  كان مجتهدا ] [18]  . مصيبا أيضا ، [19]  . 
بناء على أن كل مجتهد مصيب . وهو قول  الأشعري   . ومنهم من يقول :  [ ص: 392 ] بل  معاوية  مجتهد مخطئ ، وخطأ المجتهد مغفور . ومنهم من يقول : بل المصيب أحدهما لا بعينه . [ ومن الفقهاء [20]  . 
من يقول : كلاهما كان مجتهدا ، لكن  علي  كان مجتهدا [21]  . 
مصيبا ،  ومعاوية  كان مجتهدا مخطئا . والمصيب [22]  . 
له أجران ، والمخطئ له أجر . ومنهم من يقول : بل كلاهما مجتهد مصيب [23]  . 
( 5 بناء على قولهم كل مجتهد مصيب 5 ) ( 5 - 5 ) : [24] ، وهو قول  الأشعري  وكثير من أصحابه ، وطائفة من أصحاب [25]  . 
 أحمد  وغيره ، ومنهم من يقول [26]  . 
: المصيب واحد لا بعينه . 
وهذه الأقوال ذكرها أبو عبد الله بن حامد  عن أصحاب  الإمام أحمد  [27]  . 
، لكن المنصوص عنه نفسه وعن أمثاله من الأئمة أن ترك القتال كان خيرا من فعله ، وأنه قتال فتنة . 
ولهذا كان  عمران بن حصين   - رضي الله عنه - ينهى [28] 
عن بيع السلاح فيه ، ويقول ر ، ص : عن بيع السلاح ويقول ; أ : عن بيع السلاح ، وفيه يقول . 
: لا يباع السلاح في الفتنة   . وهذا قول  سعد بن أبي وقاص   [ ص: 393 ]  - رضي الله عنه - ،  ومحمد بن مسلمة  [29]  . 
،  وابن عمر  ،  وأسامة بن زيد   - رضي الله عنهم - ، وأكثر من كان بقي [30]  . . 
من السابقين الأولين من المهاجرين  والأنصار  ، وهو قول أكثر أئمة الفقه والحديث . 
وقالت الكرامية   : بل كلاهما إمام مصيب ، ويجوز عقد البيعة [31]  . 
لإمامين للحاجة ] [32]  . 
، ومن نازعه في أنه كان إمام حق لم يمكن الرافضي أن يحتج [33]  . 
على إمامته بحجة إلا نقضها ذلك المعارض ، ومن سلم له أنه كان إمام حق كأهل السنة  فإنه يقول : الإمام الحق ليس معصوما ، ولا يجب على الإنسان أن يقاتل معه كل من خرج عن طاعته ، ولا يطيعه الإنسان فيما يعلم أنه معصية لله  ، أو أن تركه خير من فعله . 
والصحابة الذين لم يقاتلوا معه كانوا يعتقدون أن ترك القتال خير من القتال ، أو أنه معصية ، فلم يجب عليهم موافقته في ذلك . 
والذين قاتلوه لا يخلو : إما أن يكونوا عصاة ، أو مجتهدين مخطئين ، أو مصيبين . وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح في إيمانهم ولا يمنعهم الجنة . 
فإن الله تعالى قال : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب  [ ص: 394 ] المقسطين  ، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون   ) ، فسماهم إخوة ووصفهم بأنهم مؤمنون ، مع وجود الاقتتال بينهم ، والبغي من بعضهم على بعض . 
فمن قاتل  عليا   : فإن [34]  . 
كان باغيا فليس ذلك بمخرجه من [35]  . 
الإيمان ، ولا بموجب [36] له النيران ، ولا مانع له من الجنان ; فإن البغي إذا كان بتأويل [37]  . 
كان صاحبه مجتهدا . 
ولهذا اتفق أهل السنة  على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين ، وإن قالوا في إحداهما : إنهم كانوا بغاة ؛ لأنهم كانوا متأولين مجتهدين ، والمجتهد المخطئ لا يكفر ولا يفسق ، وإن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب ، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة : كالتوبة ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ودعاء المؤمنين وغير ذلك . 
				
						
						
