فإن قيل : ما ذكرتموه يدل على أنه يمتنع أن يكون العالم خاليا عن الحوادث ثم تحدث فيه ، لكن نحن نقول إنه لم يزل مشتملا على الحوادث ، والقديم هو أصل [1] العالم كالأفلاك ، ونوع الحوادث مثل جنس حركات الأفلاك ، فأما أشخاص الحوادث ، فإنها حادثة بالاتفاق ، وحينئذ فالأزلي مستلزم لنوع [2] الحوادث لا لحادث معين ، فلا [3] يلزم قدم جميع الحوادث ، ولا حدوث جميعها ، بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها ، كما يقول أئمة أهل السنة منكم : . وهذا إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء ، وكيف شاء ، ويقولون : إن الفعل من لوازم الحياة والرب لم يزل حيا ، فلم يزل فعالا [4] معروف من قول أئمتكم كأحمد بن حنبل [ صاحب الصحيح ] والبخاري [5] ، ، ونعيم بن حماد الخزاعي وغيرهم ممن قبلهم مثل وعثمان بن سعيد الدارمي ، ابن عباس وغيرهما ، ومن بعدهم . وجعفر الصادق
وهم ينقلون ذلك عن أئمة أهل السنة ، ويقولون : إن من خالف هذا [ ص: 216 ] القول فهو مبتدع ضال ، وهؤلاء وأمثالهم عندكم هم أئمة أهل السنة [6] ، والحديث ، وهم من أعلم الناس بمقالة الرسول والصحابة والتابعين [ لهم بإحسان ] [7] ، ومن أتبع الناس لها .
وهؤلاء وغيرهم كسفيان بن عيينة احتجوا على أن بأن الله لم يخلق شيئا إلا بـ ( كن . ) ، فلو كانت كن مخلوقة لزم التسلسل المانع من الخلق ، وهذا التسلسل كلام الرب غير مخلوق [8] ، فلو كانت ( كن ) مخلوقة لزم التسلسل في أصل كونه خالقا وفاعلا فهو [9] تسلسل في أصل التأثير ، وهو ممتنع باتفاق العقلاء .
بخلاف التسلسل في الآثار المعينة ، فإنه إذا لم يكن خالقا إلا بقوله ( كن ) امتنع أن يكون القول [10] مخلوقا ، كما إذا قيل : لا يكون خالقا إلا بعلم وقدرة امتنع أن يكون العلم والقدرة مخلوقين ; لأنه يلزم [11] أن يكون ذلك المخلوق يمتنع وجوده إلا بعد وجوده ، فإنه لا يكون خالقا إلا به ، فيجب كونه متقدما [12] على كل مخلوق ، فلو كان مخلوقا للزم تقدمه [13] على نفسه ، وهذه [14] حجة صحيحة عقلية [ شرعية ] [15] .
[ ص: 217 ] . بخلاف ما إذا قيل : إنه يخلق هذا بكن ، وهذا بكن أخرى [16] ، فإن هذا يستلزم وجود أثر بعد أثر ، وهذا في جوازه نزاع بين العقلاء وأئمة السنة منكم ، ثم إن أساطين الفلاسفة وكثيرا [17] من أهل الكلام يجيز ذلك .
والمقصود أنكم إذا جوزتم وجود حادث بعد حادث عن القديم الأزلي الذي هو الرب عندكم ، فكذلك يقول هؤلاء في حوادث العالم التي تحدث في الفلك ، وغيره .