( فصل ) .
قال الرافضي
[1] : " وتمادى بعضهم في التعصب حتى اعتقد
[2] إمامة مع ما صدر عنه يزيد بن معاوية
[3] من الأفعال القبيحة من قتل الإمام ونهب أمواله وسبي نسائه ودورانهم الحسين
[4] في البلاد على الجمال بغير قتب ، ومولانا مغلول اليدين ، ولم يقنعوا بقتله حتى رضوا أضلاعه وصدره بالخيول ، وحملوا رءوسهم على القنا مع أن مشايخهم رووا زين العابدين
[5] أن يوم قتل مطرت الحسين
[6] السماء دما . وقد ذكر ذلك الرافعي في " شرح الوجيز " وذكر ابن سعد في " الطبقات " أن الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل ولم تر الحسين
[7] قبل ذلك . وقال أيضا : ما رفع حجر في الدنيا [ ص: 518 ] إلا وتحته دم عبيط ، ولقد مطرت
[8] السماء مطرا بقي [9] أثره في الثياب
[10] مدة حتى تقطعت . قال : ما بقي أحد من قاتلي الزهري
[11] إلا وعوقب في الدنيا الحسين [12] : إما بالقتل وإما بالعمى
[13] أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة .
وكان
[14] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر الوصية للمسلمين
[15] في ولديه الحسن ويقول لهم : هؤلاء وديعتي والحسين
[16] عندكم . وأنزل الله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) [ سورة الشورى : 23 ] .
والجواب : أما قوله : " وتمادى بعضهم في التعصب حتى اعتقد إمامة " . يزيد بن معاوية
إن أراد بذلك أنه اعتقد أنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين
[17] ، كأبي بكر وعمر وعثمان ، فهذا لم يعتقده أحد من علماء وعلي [18] المسلمين .
[ ص: 519 ] وإن اعتقد مثل هذا بعض الجهال ، كما يحكى عن بعض الجهال من الأكراد
[19] ونحوهم أنه يعتقد أن يزيد من الصحابة ، وعن بعضهم أنه من الأنبياء
[20] ، وبعضهم يعتقد أنه من الخلفاء الراشدين [ المهديين ]
[21] ، فهؤلاء ليسوا من أهل العلم الذين يحكى قولهم . وهم مع هذا الجهل خير من الشيعة وملاحدتهم الذين يعتقدون إلهية أو نبوته ، أو يعتقدون أن باطن الشريعة يناقض علي
[22] ظاهرها ، كما تقوله الإسماعيلية جهال
[23] والنصيرية وغيرهم من أنه يسقط عن خواصهم الصوم والصلاة والحج والزكاة ، وينكرون المعاد ، بل غلاتهم يجحدون الصانع ، وهم يعتقدون في محمد بن إسماعيل أنه أفضل من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وأنه نسخ شريعته ، ويعتقدون في أئمتهم ، كالذي يسمونه المهدي وأولاده ، مثل المعز وأمثالهم : أنهم أئمة معصومون . فلا ريب أن من اعتقد عصمة خلفاء والحاكم بني أمية وبني العباس كلهم كان خيرا من هؤلاء من وجوه كثيرة ; فإن خلفاء بني أمية وبني العباس مسلمون ظاهرا وباطنا ، وذنوبهم من جنس ذنوب المسلمين ، ليسوا كفارا منافقين .
وهؤلاء اليهود والنصارى . فمن اعتقد عصمة هؤلاء كان أعظم جهلا وضلالا ممن اعتقد عصمة خلفاء الباطنية هم في الباطن أكفر من بني أمية [ ص: 520 ] وبني العباس ، بل ولو اعتقد معتقد عصمة سائر ملوك المسلمين ، الذين هم مسلمون ظاهرا وباطنا ، لكان خيرا ممن اعتقد عصمة هؤلاء . فقد تبين أن الجهل الذي يوجد فيمن هو من أجهل أهل السنة ، يوجد في الشيعة من الجهل ما هو أعظم [ منه ]
[24] ، لا سيما وجهل أولئك أصله جهل نفاق وزندقة لا جهل تأويل وبدعة . وهؤلاء أصل جهلهم لم يكن جهل نفاق وزندقة ، بل جهل بدعة وتأويل وقلة علم بالشريعة .
ولهذا إذا تبين لهؤلاء حقيقة ما بعث الله به [ محمدا ]
[25] رسوله رجعوا عن جهلهم وبدعتهم . وأما أئمة الملاحدة فيعلمون في الباطن أن ما يقولونه مناقض لما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يخالفونه لاعتقادهم أنه وضع ناموسا بعقله وفضيلته ، فيجوز لنا أن نضع ناموسا كما وضع ناموسا ، إذ كانت النبوة عندهم مكتسبة ، وهي [ عندهم ]
[26] من جنس فضيلة العلماء العباد ، والشرائع من جنس سياسة الملوك العادية ، فيجوزون أن تنسخ شريعته بشريعة يضعها الواحد من أئمتهم ، ويقولون : إن الشريعة إنما هي للعامة ، فأما الخاصة إذا علموا باطنها فإنه تسقط عنهم الواجبات وتباح لهم المحظورات .
وهؤلاء ونحوهم أكثر من اليهود والنصارى ، بل إذا قدر قوم يعتقدون عصمة الواحد من بني أمية أو بني العباس ، أو أنه لا ذنوب لهم ، أو أن الله [ ص: 521 ] لا يؤاخذهم بذنوبهم ، كما يحكى عن بعض أتباع بني أمية أنهم كانوا يقولون : إن الخليفة يتقبل الله منه الحسنات ويتجاوز له عن السيئات ; فهؤلاء مع ضلالهم أقل ضلالا ممن يقول بإمامة المنتظر والعسكريين ونحوهم . ويقولون : إنهم معصومون ، فإن هؤلاء اعتقدوا
[27] العصمة والإمامة في معدوم أو فيمن [ ليس ]
[28] له سلطان ينتفعون به ولا عنده من العلم والدين أكثر مما عند كثير من عامة المسلمين ، وأولئك اعتقدوا أن الإمام له حسنات
[29] كثيرة تغمر سيئاته . وهذا ممكن في الجملة ، فإنه يمكن أن يكون للمسلم حسنات تغمر سيئاته ، وإن كان ذلك لا يشهد به لمعين إلا بما يدل على التعيين . أما كون واحد ممن يوجد في المسلمين من هو أعلم منه وأدين معصوما عن الخطأ فهذا باطل قطعا ; بل دعوى باطلة قطعا ، فتبين أن أولئك مع جهالتهم دعوى العصمة فيمن سوى الرسول - صلى الله عليه وسلم -
[30] هم أقرب إلى الحق وأقل جهلا من هؤلاء الروافض
[31] ، وأن من اعتقد أن يزيد من الصحابة أو الأنبياء لم يكن جهله وضلاله أعظم من جهل وضلال من اعتقد الإلهية والنبوة في شيوخ الشيعة ، لا سيما شيوخ الإسماعيلية والنصيرية ، الذين هم أكفر من اليهود والنصارى ، وأتباعهم يعتقدون فيهم الإلهية .
[ ص: 522 ] وأما
[32] السنة الذين لهم قول [ يحكى ]
[33] فليس فيهم من يعتقد أن يزيد وأمثاله من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين علماء أهل
[34] ، كأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - بل أهل السنة يقولون بالحديث الذي في السنن : " وعلي
[35] ثلاثون سنة ثم تصير ملكا " خلافة النبوة
[36] .
وإن أراد باعتقادهم
[37] إمامة يزيد ، أنهم يعتقدون أنه كان
[38] ملك جمهور المسلمين وخليفتهم في زمانه
[39] صاحب السيف ، كما كان أمثاله من خلفاء بني أمية وبني العباس ، فهذا أمر معلوم لكل أحد ، ومن نازع في هذا كان مكابرا ; فإن يزيد بويع بعد موت أبيه ، وصار متوليا على أهل معاوية الشام ومصر والعراق وخراسان وغير ذلك من بلاد المسلمين .