الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل ) .

                  قال الرافضي

                  [1] : " وتمادى بعضهم في التعصب حتى اعتقد

                  [2] إمامة يزيد بن معاوية مع ما صدر عنه

                  [3] من الأفعال القبيحة من قتل الإمام الحسين ونهب أمواله وسبي نسائه ودورانهم

                  [4] في البلاد على الجمال بغير قتب ، ومولانا زين العابدين مغلول اليدين ، ولم يقنعوا بقتله حتى رضوا أضلاعه وصدره بالخيول ، وحملوا رءوسهم على القنا مع أن مشايخهم رووا

                  [5] أن يوم قتل الحسين مطرت

                  [6] السماء دما . وقد ذكر ذلك الرافعي في " شرح الوجيز " وذكر ابن سعد في " الطبقات " أن الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين ولم تر

                  [7] قبل ذلك . وقال أيضا : ما رفع حجر في الدنيا [ ص: 518 ] إلا وتحته دم عبيط ، ولقد مطرت

                  [8] السماء مطرا بقي [9] أثره في الثياب

                  [10] مدة حتى تقطعت . قال الزهري : ما بقي أحد من قاتلي

                  [11] الحسين إلا وعوقب في الدنيا [12] : إما بالقتل وإما بالعمى

                  [13] أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة .

                  وكان

                  [14] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر الوصية للمسلمين

                  [15] في ولديه الحسن والحسين ويقول لهم : هؤلاء وديعتي

                  [16] عندكم . وأنزل الله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) [ سورة الشورى : 23 ] .

                  والجواب : أما قوله : " وتمادى بعضهم في التعصب حتى اعتقد إمامة يزيد بن معاوية " .

                  إن أراد بذلك أنه اعتقد أنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين

                  [17] ، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، فهذا لم يعتقده أحد من علماء [18] المسلمين .

                  [ ص: 519 ] وإن اعتقد مثل هذا بعض الجهال ، كما يحكى عن بعض الجهال من الأكراد

                  [19] ونحوهم أنه يعتقد أن يزيد من الصحابة ، وعن بعضهم أنه من الأنبياء

                  [20] ، وبعضهم يعتقد أنه من الخلفاء الراشدين [ المهديين ]

                  [21] ، فهؤلاء ليسوا من أهل العلم الذين يحكى قولهم . وهم مع هذا الجهل خير من جهال الشيعة وملاحدتهم الذين يعتقدون إلهية علي أو نبوته ، أو يعتقدون أن باطن الشريعة يناقض

                  [22] ظاهرها ، كما تقوله الإسماعيلية


                  [23] والنصيرية وغيرهم من أنه يسقط عن خواصهم الصوم والصلاة والحج والزكاة ، وينكرون المعاد ، بل غلاتهم يجحدون الصانع ، وهم يعتقدون في محمد بن إسماعيل أنه أفضل من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وأنه نسخ شريعته ، ويعتقدون في أئمتهم ، كالذي يسمونه المهدي وأولاده ، مثل المعز والحاكم وأمثالهم : أنهم أئمة معصومون . فلا ريب أن من اعتقد عصمة خلفاء بني أمية وبني العباس كلهم كان خيرا من هؤلاء من وجوه كثيرة ; فإن خلفاء بني أمية وبني العباس مسلمون ظاهرا وباطنا ، وذنوبهم من جنس ذنوب المسلمين ، ليسوا كفارا منافقين .

                  وهؤلاء الباطنية هم في الباطن أكفر من اليهود والنصارى . فمن اعتقد عصمة هؤلاء كان أعظم جهلا وضلالا ممن اعتقد عصمة خلفاء بني أمية [ ص: 520 ] وبني العباس ، بل ولو اعتقد معتقد عصمة سائر ملوك المسلمين ، الذين هم مسلمون ظاهرا وباطنا ، لكان خيرا ممن اعتقد عصمة هؤلاء . فقد تبين أن الجهل الذي يوجد فيمن هو من أجهل أهل السنة ، يوجد في الشيعة من الجهل ما هو أعظم [ منه ]

                  [24] ، لا سيما وجهل أولئك أصله جهل نفاق وزندقة لا جهل تأويل وبدعة . وهؤلاء أصل جهلهم لم يكن جهل نفاق وزندقة ، بل جهل بدعة وتأويل وقلة علم بالشريعة .

                  ولهذا إذا تبين لهؤلاء حقيقة ما بعث الله به [ محمدا ]

                  [25] رسوله رجعوا عن جهلهم وبدعتهم . وأما أئمة الملاحدة فيعلمون في الباطن أن ما يقولونه مناقض لما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يخالفونه لاعتقادهم أنه وضع ناموسا بعقله وفضيلته ، فيجوز لنا أن نضع ناموسا كما وضع ناموسا ، إذ كانت النبوة عندهم مكتسبة ، وهي [ عندهم ]

                  [26] من جنس فضيلة العلماء العباد ، والشرائع من جنس سياسة الملوك العادية ، فيجوزون أن تنسخ شريعته بشريعة يضعها الواحد من أئمتهم ، ويقولون : إن الشريعة إنما هي للعامة ، فأما الخاصة إذا علموا باطنها فإنه تسقط عنهم الواجبات وتباح لهم المحظورات .

                  وهؤلاء ونحوهم أكثر من اليهود والنصارى ، بل إذا قدر قوم يعتقدون عصمة الواحد من بني أمية أو بني العباس ، أو أنه لا ذنوب لهم ، أو أن الله [ ص: 521 ] لا يؤاخذهم بذنوبهم ، كما يحكى عن بعض أتباع بني أمية أنهم كانوا يقولون : إن الخليفة يتقبل الله منه الحسنات ويتجاوز له عن السيئات ; فهؤلاء مع ضلالهم أقل ضلالا ممن يقول بإمامة المنتظر والعسكريين ونحوهم . ويقولون : إنهم معصومون ، فإن هؤلاء اعتقدوا

                  [27] العصمة والإمامة في معدوم أو فيمن [ ليس ]

                  [28] له سلطان ينتفعون به ولا عنده من العلم والدين أكثر مما عند كثير من عامة المسلمين ، وأولئك اعتقدوا أن الإمام له حسنات

                  [29] كثيرة تغمر سيئاته . وهذا ممكن في الجملة ، فإنه يمكن أن يكون للمسلم حسنات تغمر سيئاته ، وإن كان ذلك لا يشهد به لمعين إلا بما يدل على التعيين . أما كون واحد ممن يوجد في المسلمين من هو أعلم منه وأدين معصوما عن الخطأ فهذا باطل قطعا ; بل دعوى العصمة فيمن سوى الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعوى باطلة قطعا ، فتبين أن أولئك مع جهالتهم

                  [30] هم أقرب إلى الحق وأقل جهلا من هؤلاء الروافض

                  [31] ، وأن من اعتقد أن يزيد من الصحابة أو الأنبياء لم يكن جهله وضلاله أعظم من جهل وضلال من اعتقد الإلهية والنبوة في شيوخ الشيعة ، لا سيما شيوخ الإسماعيلية والنصيرية ، الذين هم أكفر من اليهود والنصارى ، وأتباعهم يعتقدون فيهم الإلهية .

                  [ ص: 522 ] وأما علماء أهل

                  [32] السنة الذين لهم قول [ يحكى ]

                  [33] فليس فيهم من يعتقد أن يزيد وأمثاله من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين


                  [34] ، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - بل أهل السنة يقولون بالحديث الذي في السنن : " خلافة النبوة

                  [35] ثلاثون سنة ثم تصير ملكا
                  "

                  [36] .

                  وإن أراد باعتقادهم

                  [37] إمامة يزيد ، أنهم يعتقدون أنه كان

                  [38] ملك جمهور المسلمين وخليفتهم في زمانه

                  [39] صاحب السيف ، كما كان أمثاله من خلفاء بني أمية وبني العباس ، فهذا أمر معلوم لكل أحد ، ومن نازع في هذا كان مكابرا ; فإن يزيد بويع بعد موت أبيه معاوية ، وصار متوليا على أهل الشام ومصر والعراق وخراسان وغير ذلك من بلاد المسلمين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية