- رضي الله عنه - استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وهي أول سنة في ملك والحسين يزيد . استشهد قبل أن يتولى على شيء من البلاد . ثم إن والحسين لما ابن الزبير
[1] جرى بينه وبين يزيد ما جرى من الفتنة ، واتبعه من اتبعه من أهل مكة والحجاز وغيرهما ، وكان إظهاره طلب الأمر لنفسه
[2] بعد [ ص: 523 ] موت يزيد ، فإنه حينئذ تسمى بأمير المؤمنين ، وبايعه عامة أهل الأمصار إلا أهل الشام . ولهذا إنما تعد ولايته من بعد موت يزيد ، وأما في حياة يزيد فإنه امتنع عن مبايعته أولا ، ثم بذل المبايعة له ، فلم يرض يزيد إلا بأن يأتيه أسيرا ، فجرت بينهما فتنة ، وأرسل إليه يزيد من حاصره بمكة ، فمات يزيد وهو محصور ، فلما مات يزيد بايع طائفة من أهل ابن الزبير الشام والعراق وغيرهم . وتولى بعد يزيد ابنه معاوية بن يزيد
[3] ولم تطل أيامه
[4] ، بل أقام أربعين يوما أو نحوها ، وكان فيه صلاح وزهد ، ولم يستخلف أحدا ، فتأمر بعده مروان [ بن الحكم ]
[5] على الشام ، ولم تطل أيامه
[6] ، ثم تأمر بعده ابنه ، وسار إلى عبد الملك نائب أخيه على مصعب بن الزبير العراق ، فقتله حتى ملك العراق ، وأرسل إلى الحجاج [ فحاصره ] ابن الزبير
[7] وقاتله ، حتى قتل ، واستوثق الأمر ابن الزبير لعبد الملك ، ثم لأولاده من بعده ، وفتح في أيامه بخارى وغيرها من بلاد ما وراء النهر ، فتحها قتيبة بن مسلم نائب الذي كان نائب الحجاج بن يوسف على عبد الملك بن مروان العراق ، مع ما كان فيه من الظلم ، وقاتل المسلمون ملك الترك خاقان وهزموه وأسروا أولاده ، وفتحوا أيضا بلاد السند ، وفتحوا أيضا بلاد الأندلس ، وغزوا القسطنطينية وحاصروها مدة ، وكانت لهم الغزوات الشاتية
[8] والصائفة .
[ ص: 524 ] ثم لما انتقل الأمر إلى بني العباس
[9] تولوا على بلاد العراق والشام ومصر والحجاز واليمن وخراسان وغيرهما مما كان قد تولى عليه بنو أمية ، إلا بلاد المغرب ، فإن الأندلس تولى عليه بنو أمية ، وبلاد القيروان كانت دولة بين هؤلاء وهؤلاء .
فيزيد في ولايته هو واحد من هؤلاء الملوك ، ملوك المسلمين المستخلفين في الأرض ، ولكنه مات ومن بايعه وابن الزبير بمكة خارجون عن طاعته ، لم يتول على جميع بلاد المسلمين ، كما أن ولد لم يتولوا على جميع بلاد المسلمين ، بخلاف العباس وأولاده فإنهم تولوا على جميع بلاد المسلمين ، وكذلك الخلفاء الثلاثة عبد الملك تولوا على جميع بلاد المسلمين ، ومعاوية - رضي الله عنه - لم يتول على جميع بلاد المسلمين . وعلي
فكون الواحد من هؤلاء إماما ، بمعنى أنه كان له سلطان ومعه السيف يولي ويعزل ، ويعطي ويحرم ، ويحكم وينفذ
[10] ، ويقيم الحدود ويجاهد الكفار ، ويقسم الأموال - أمر مشهور [11] متواتر لا يمكن جحده . وهذا معنى كونه إماما وخليفة وسلطانا ، كما أن إمام الصلاة هو الذي يصلي بالناس . فإذا رأينا رجلا يصلي بالناس كان القول بأنه إمام أمرا مشهودا محسوسا لا يمكن المكابرة فيه . وأما كونه برا أو فاجرا ، أو مطيعا أو عاصيا ، فذاك أمر آخر .
[ ص: 525 ] فأهل السنة إذا اعتقدوا إمامة الواحد من هؤلاء : يزيد ، أو ، أو عبد الملك المنصور ، أو غيرهم - كان بهذا الاعتبار . ومن نازع في هذا فهو شبيه بمن نازع في ولاية أبي بكر وعمر ، وفي ملك وعثمان كسرى وقيصر وغيرهم من الملوك . والنجاشي
وأما كون الواحد من هؤلاء معصوما ، فليس هذا اعتقاد أحد من علماء المسلمين
[12] ، وكذلك كونه عادلا في كل أموره ، مطيعا لله في جميع أفعاله ، ليس هذا اعتقاد أحد
[13] من أئمة المسلمين . وكذلك وجوب طاعته في كل ما يأمر به ، وإن كان معصية لله ، ليس هو اعتقاد أحد من أئمة المسلمين .
ولكن مذهب أهل السنة والجماعة أن هؤلاء يشاركون فيما يحتاج إليهم فيه من طاعة الله ، فتصلى خلفهم الجمعة والعيدان
[14] وغيرهما من الصلوات التي يقيمونها هم ، لأنها لو لم تصل خلفهم أفضى إلى تعطيلها ، ونجاهد معهم الكفار ، ونحج معهم البيت العتيق ، ويستعان بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود ، فإن الإنسان لو قدر أنه حج
[15] في رفقة لهم ذنوب وقد جاءوا يحجون ، لم يضره هذا شيئا ، وكذلك الغزو وغيره من الأعمال الصالحة ، إذا فعلها البر وشاركه في ذلك الفاجر لم يضره ذلك شيئا ، فكيف إذا لم يمكن فعلها
[16] إلا على هذا الوجه ، فكيف إذا كان [ ص: 526 ] الوالي الذي يفعلها فيه معصية ؟ ! ويستعان بهم أيضا في العدل في الحكم والقسم ; فإنه لا يمكن عاقل
[17] أن ينازع في أنهم كثيرا ما يعدلون في حكمهم وقسمهم ، ويعاونون على البر والتقوى ، ولا يعاونون على الإثم والعدوان .
وللناس نزاع في تفاصيل تتعلق بهذه الجملة ليس هذا موضعها ، مثل ، ومثل إنفاذ حكم الحاكم الفاسق إذا كان الحكم عدلا هل تعاد أم لا ؟ والصواب الصلاة خلف الفاسق
[18] الجامع في هذا الباب أن من حكم بعدل أو قسم بعدل نفذ حكمه وقسمه
[19] ، ومن أمر بمعروف أو نهى عن منكر أعين على ذلك ، إذا لم يكن في ذلك مفسدة راجحة ، وأنه لا بد من إقامة الجمعة والجماعة ، فإن أمكن تولية إمام [ بر ] لم [ يجز ] تولية فاجر ولا مبتدع
[20] يظهر بدعته ، فإن هؤلاء يجب الإنكار عليهم بحسب الإمكان ولا يجوز
[21] توليتهم ، فإن لم يمكن إلا تولية أحد رجلين كلاهما فيه بدعة وفجور ، كان تولية أصلحهما ولاية هو الواجب . وإذا لم يمكن في الغزو إلا تأمير أحد رجلين : أحدهما فيه دين وضعف عن الجهاد ، والآخر فيه منفعة في الجهاد مع ذنوب له ، كان تولية هذا الذي ولايته أنفع للمسلمين ، خيرا من تولية من ولايته أضر على المسلمين . وإذا لم يمكن صلاة الجمعة [ ص: 527 ] والجماعة وغيرهما إلا خلف الفاجر والمبتدع صليت خلفه ولم تعد ، وإن أمكن الصلاة خلف غيره
[22] ، وكان في ترك الصلاة خلفه هجر له ، ليرتدع هو وأمثاله به عن البدعة والفجور ، فعل ذلك . وإن لم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة دينية صلي خلفه ، وليس على أحد أن يصلي الصلاة مرتين .