وأما فله كتاب في [ إباحة ] أبو الفرج بن الجوزي
[1] لعنة يزيد ، رد فيه على الشيخ عبد المغيث الحربي ; فإنه كان ينهى عن ذلك . وقد قيل : إن الخليفة الناصر لما بلغه نهي الشيخ عبد المغيث عن ذلك قصده وسأله عن ذلك ، وعرف عبد المغيث أنه الخليفة ، ولم يظهر أنه يعلمه فقال : يا هذا أنا قصدي كف
[2] ألسنة الناس عن لعنة
[3] خلفاء المسلمين وولاتهم ، وإلا فلو [ ص: 575 ] فتحنا هذا الباب لكان خليفة وقتنا أحق باللعن ; فإنه يفعل أمورا منكرة أعظم مما فعله يزيد ; فإن هذا يفعل كذا ويفعل كذا . وجعل يعدد مظالم
[4] الخليفة ، حتى قال له : ادع لي يا شيخ ، وذهب
[5] .
وأما الحرة ، فإنهم لما خلعوه وأخرجوا نوابه وعشيرته ما فعله بأهل
[6] ، أرسل إليهم مرة بعد مرة يطلب الطاعة ، فامتنعوا ، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المري ، وأمره إذا ظهر عليهم أن يبيح المدينة ثلاثة [ أيام ]
[7] . وهذا هو الذي عظم إنكار الناس له من فعل يزيد . ولهذا قيل : أتكتب الحديث عن لأحمد يزيد ؟ قال : لا ولا كرامة . أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل ؟ .
لكن لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، [ ص: 576 ] ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا إلى الروضة ، ولا كان القتل في المسجد . وأما الكعبة فإن الله شرفها وعظمها وجعلها محرمة ، فلم يمكن الله أحدا
[8] من إهانتها لا قبل الإسلام ولا بعده ، بل لما قصدها أهل الفيل عاقبهم الله العقوبة المشهورة .
كما قال تعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ) [ سورة الفيل : 1 - 5 ] وقال تعالى : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) [ سورة الحج : 25 ] قال - رضي الله عنه - ابن مسعود بعدن أبين أن يلحد في الحرم لأذاقه الله من عذاب أليم لو هم رجل
[9] . رواه في مسنده موقوفا ومرفوعا الإمام أحمد
[10] .
ومعلوم أن [ من ] أعظم الناس كفرا القرامطة الباطنية ، الذين قتلوا [ ص: 577 ] ، وألقوهم في الحجاج بئر زمزم ، وأخذوا الحجر الأسود وبقي عندهم مدة ، ثم أعادوه ، وجرى فيه عبرة حتى أعيد ، ومع هذا فلم يسلطوا علىالكعبة بإهانة ، بل كانت معظمة مشرفة ، وهم كانوا من
[11] أكفر خلق الله تعالى .
وأما ملوك المسلمين ، من بني أمية وبني العباس [ ونوابهم ]
[12] ، فلا ريب أن أحدا منهم لم يقصد إهانة الكعبة : لا نائب يزيد ، ولا نائب عبد الملك ، ولا غيرهما . بل كل المسلمين كانوا معظمين للكعبة الحجاج بن يوسف
[13] ، وإنما كان مقصودهم حصار . والضرب بالمنجنيق كان له لا ابن الزبير للكعبة ، ويزيد لم يهدم الكعبة ، ولم يقصد إحراقها : لا هو ولا نوابه باتفاق المسلمين . هدمها [ تعظيما لها ] ابن الزبير
[14] ، لقصد إعادتها وبنائها على الوجه الذي وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن - رضي الله عنها - وكانت النار قد أصابت بعض ستائرها فتفجر بعض الحجارة . لعائشة
ثم إن أمر عبد الملك بإعادتها إلى البناء الذي كانت عليه زمن رسول [ ص: 578 ] الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما زاد في طولها في السماء ، فأمره أن يدعه ، فهي على هذه الصفة إلى الآن . الحجاج
وهذه مسألة اجتهاد
[15] ; فابن الزبير ومن وافقه من السلف رأوا إعادتها إلى الصفة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قال : " لعائشة إبراهيم ، فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت ، ولجعلت لها خلفا " . قال لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس : يعني بابا . وعنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " البخاري " . وفي رواية في صحيح لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية - أو قال : بكفر - لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ، ولجعلت بابها بالأرض ، ولأدخلت فيها من الحجر : " مسلم
[16] فيها ستة أذرع من الحجر " ولجعلت لها بابين : بابا شرقيا وبابا غربيا ، وزدت
[17] .
و [ روى ] [ في صحيحه ] عن مسلم عطاء بن أبي رباح [18] قال
[19] : لما [ ص: 579 ] احترق البيت زمن حين غزاه يزيد بن معاوية
[20] أهل الشام ، فكان من أمره ما كان ، تركه ، حتى قدم الناس الموسم ، يريد أن يجرئهم ابن الزبير
[21] على أهل الشام ، فلما صدر الناس قال : يا أيها الناس أشيروا علي في الكعبة : أنقضها ثم أبني
[22] بناءها
[23] أم أصلح ما وهى منها ؟ قال - رضي الله عنهما - : فإني قد فرق لي فيها رأي ابن عباس
[24] أرى أن تصلح ما وهى منها
[25] وتدع بيتا
[26] أسلم الناس عليه ، وأحجارا أسلم الناس عليها ، وبعث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال ابن الزبير : لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده
[27] . فكيف بيت
[28] ربكم ؟ إني مستخير ربي ثلاثا ، ثم عازم على أمري . فلما مضت
[29] الثلاث أجمع أمره على أن ينقضها ، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء حتى صعده رجل فألقى منه حجارة ، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا ، فنقضوه حتى بلغوا الأرض ، فجعل أعمدة فستر عليها الستور ، حتى ارتفع بناؤه . قال ابن الزبير : سمعت ابن الزبير
[30] - رضي الله عنها - تقول إن النبي - صلى [ ص: 580 ] الله عليه وسلم - قال : " عائشة [31] وليس عندي من النفقة ما يقويني
[32] على بنائه ، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع ، ولجعلت لها بابين
[33] بابا يدخل الناس منه ، وبابا يخرجون منه " . قال : فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس . قال : فزاد فيه خمس أذرع من الحجر ، حتى أبدى أسا لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر
[34] نظر إليه الناس
[35] . فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني
[36] عشرة ذراعا ، فلما زاد فيه استقصره ، فزاد في طوله عشرة أذرع وجعل لها
[37] بابين : أحدهما يدخل منه والآخر يخرج
[38] . منه فلما قتل كتب ابن الزبير إلى الحجاج عبد الملك [ بن مروان ]
[39] بذلك ، ويخبره أن قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من ابن الزبير أهل مكة . فكتب إليه : إنا لسنا من تلطيخ عبد الملك في شيء . أما ما زاد في طوله فأقره ، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه ، وسد الباب [ ص: 581 ] الذي فتحه . فنقضه وأعاده إلى بنائه " . وعن ابن الزبير عبد الله بن عبيد قال
[40] : وفد الحارث بن عبد الله على في خلافته ، فقال عبد الملك بن مروان : ما أظن عبد الملك - سمع من أبا خبيب - يعني ابن الزبير - رضي الله عنها عائشة
[41] - ما كان زعم
[42] أنه سمعه منها . قال الحارث : بلى أنا سمعته منها ، قال : سمعتها تقول ماذا ؟ قالت
[43] : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
[44] ما تركوا منه ، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه " فأراها قريبا من سبعة أذرع ، هذا حديث إن قومك استقصروا من بنيان البيت ، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت عبد الله بن عبيد .
وعن الوليد بن عطاء عن الحارث في هذا الحديث
[45] : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
[46] : شرقيا وغربيا . وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها ؟ [ قالت : ]
[47] " قلت : لا . قال : " تعززا ألا
[48] يدخلها إلا من أرادوا ، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي ، حتى إذا كاد أن يدخلها
[49] دفعوه فسقط " . قال ولجعلت لها بابين موضوعين بالأرض [ ص: 582 ] عبد الملك للحارث : أنت سمعتها تقول هذا ؟ قال : نعم . فنكت
[50] ساعة بعصاه ، ثم قال : وددت أني تركته وما تحمل " .
وذكر البخاري
[51] عن يزيد بن رومان : قال : شهدت
[52] حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحجر ، وقد رأيت أساس ابن الزبير إبراهيم [ حجارة ]
[53] كأسنمة الإبل " فذكر الزيادة ستة أذرع أو نحوها .