وأما قول الرافضي   : " وجمع بين الفاضل والمفضول ، ومن حق الفاضل التقدم [ على المفضول   ] [1]  " . 
فيقال له : أولا : [ هؤلاء ] [2] كانوا متقاربين في الفضيلة ، ولم يكن تقدم بعضهم على بعض ظاهرا ، كتقدم  أبي بكر   وعمر  على الباقين . ولهذا كان [3] في الشورى تارة يؤخذ برأي  عثمان  ، وتارة [ يؤخذ ] [4] برأي  علي  ، وتارة برأي عبد الرحمن   . وكل منهم له فضائل لم يشركه فيها الآخر . 
ثم يقال له ثانيا : وإذا كان فيهم فاضل ومفضول ، فلم قلت : إن  عليا  هو الفاضل ،  وعثمان  وغيره هم المفضولون ؟ وهذا القول خلاف ما أجمع عليه المهاجرون  والأنصار  ، [ كما قال غير واحد من الأئمة ، منهم  [ ص: 153 ]  أيوب السختياني  وغيره : من قدم  عليا  على  عثمان  فقد أزرى بالمهاجرين  والأنصار   ] [5]  . 
وقد ثبت في الصحيحين عن  عبد الله بن عمر  قال : " كنا نفاضل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  أبو بكر  ، ثم  عمر  ، ثم  عثمان   "  . وفي لفظ : " ثم ندع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نفاضل بينهم " [6]  . 
فهذا إخبار عما كان عليه الصحابة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - [ من تفضيل  أبي بكر  ثم  عمر  ثم  عثمان    . وقد روي أن ذلك كان يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ] [7] فلا ينكره [8]  . 
وحينئذ فيكون هذا التفضيل ثابتا بالنص . وإلا فيكون ثابتا بما ظهر بين المهاجرين  والأنصار  على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير نكير ، وبما ظهر لما توفي  عمر  ؛ فإنهم كلهم بايعوا  عثمان بن عفان  من غير رغبة ولا رهبة ، ولم ينكر هذه الولاية منكر منهم . 
 [ ص: 154 ] قال  الإمام أحمد   : " لم يجتمعوا على بيعة أحد ما اجتمعوا على بيعة  عثمان    " وسئل عن خلافة النبوة فقال : " كل بيعة كانت بالمدينة   " . وهو كما قال ؛ فإنهم كانوا في آخر ولاية  عمر  أعز ما كانوا وأظهر ما كانوا قبل ذلك . 
وكلهم بايع [9]  عثمان  بلا رغبة بذلها [ لهم ] [10] ولا رهبة ؛ فإنه لم يعط أحدا على ولايته لا مالا ولا ولاية . وعبد الرحمن  الذي بايعه لم يوله ولم يعطه مالا . وكان عبد الرحمن  من أبعد الناس عن الأغراض ، مع أن عبد الرحمن  شاور جميع الناس ، ولم يكن لبني أمية  شوكة ، ولا كان في الشورى منهم أحد غير  عثمان   . 
مع أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا كما وصفهم الله - عز وجل - ( يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم   ) [ سورة المائدة : 54 ] . 
[ وقد بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يقولوا الحق حيثما كانوا ، لا يخافون في الله لومة لائم ] [11] ، ولم ينكر أحد منهم ولاية  عثمان  ، بل كان في الذين بايعوه  عمار بن ياسر   وصهيب   وأبو ذر   وخباب  والمقداد بن الأسود   وابن مسعود   . وقال  ابن مسعود   : ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل  . 
وفيهم  العباس بن عبد المطلب  ، وفيهم من النقباء مثل عبادة بن  [ ص: 155 ] الصامت  وأمثاله ، وفيهم مثل  أبي أيوب الأنصاري  وأمثاله . 
وكل من هؤلاء وغيرهم [12] لو تكلم بالحق لم يكن هناك عذر يسقطه [13] عنه ، فقد كان يتكلم من يتكلم منهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ولاية من يولى [14] وهو مستحق للولاية ، ولا يحصل لهم ضرر . وتكلم  طلحة  وغيره في ولاية  عمر  لما استخلفه  أبو بكر  ، وتكلم  أسيد بن حضير  في ولاية  أسامة [ بن زيد   ] [15] على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كانوا يكلمون  عمر  فيمن يوليه [ ويعزله . 
 وعثمان  ، بعد ولايته وقوة شوكته وكثرة أنصاره وظهور بني أمية  ، كانوا يكلمونه فيمن يوليه ] [16] ويعطيه منهم ومن غيرهم . ثم في آخر الأمر [17] لما اشتكوا من بعضهم عزله ، ولما اشتكوا من بعض من يأخذ بعض المال منعه . فأجابهم إلى ما طلبوه من عزل ومنع من المال ، وهم أطراف من الناس ، وهو [18] في عزة [19] ولايته . فكيف لا يسمع كلام الصحابة - أئمتهم وكبرائهم - مع عزهم وقوتهم [20] لو تكلموا في ولاية  عثمان  ؟ ! وقد تكلموا مع  الصديق  في ولاية  عمر  ، وقالوا : ماذا تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا ؟ فقال : أبالله تخوفوني ؟ أقول : وليت عليهم خير أهلك . فلم يحابوا  الصديق  في عهده  لعمر  مع شدته . 
 [ ص: 156 ] ومن شأن الناس أن يراعوا من يرشح للولاية فيحابونه ، خوفا منه أن ينتقم منهم إذا ولي ، ورجاء له ، وهذا موجود . فهؤلاء لم يحابوا  عمر  ولا  أبا بكر  مع ولايتهما ، فكيف يحابون  عثمان  ، وهو بعد لم يتول [ ولا شوكة له ] ؟ [21] 
فلولا علم القوم بأن  عثمان  أحقهم بالولاية لما ولوه . وهذا أمر كلما تدبره الخبير ازداد به خبرة وعلما ، ولا يشك فيه إلا من لم يتدبره من أهل العلم بالاستدلال ، ( 2 أو من هو جاهل بالواقع أو بطريق النظر والاستدلال 2 ) [22]  . 
والجهل بالأدلة أو بالنظر فيها يورث الجهل  ، وأما من كان عالما بما وقع وبالأدلة ، وعالما بطريقة [23] النظر والاستدلال ، فإنه يقطع قطعا لا يتمارى فيه أن  عثمان  كان أحقهم بالخلافة ، وأفضل من بقي بعده . فاتفاقهم [24] على بيعة  عثمان  بغير نكير دليل على أنهم لم يكن عندهم أصلح منها ، وإن كان في ذلك كراهية في الباطن من بعضهم لاجتهاد أو هوى ، فهذا لا يقدح فيها ، كما لا يقدح في غيرها من الولايات ، كولاية  أسامة بن زيد  ، وولاية  أبي بكر   وعمر   . 
وأيضا فإن ولاية  عثمان   [ كان ] [25] فيها من المصالح والخيرات ما لا يعلمها إلا الله . وما حصل فيها من الأمور التي كرهوها ، كتأمير بعض بني  [ ص: 157 ] أمية  ، وإعطائهم بعض المال ونحو ذلك ، فقد حصل من ولاية من بعده ما هو أعظم من ذلك من الفساد ، ولم يحصل فيها من الصلاح ما حصل في إمارة  عثمان   . 
وأين إيثار بعض الناس بولاية أو مال ، من كون الأمة يسفك بعضها دماء بعض وتشتغل بذلك عن مصلحة دينها ودنياها حتى يطمع الكفار في بلاد المسلمين ؟ وأين اجتماع [26] المسلمين وفتح بلاد الأعداء من الفرقة والفتنة بين المسلمين ، وعجزهم عن الأعداء حتى يأخذوا بعض بلادهم أو بعض أموالهم قهرا أو صلحا ؟ 
				
						
						
