الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقوله [1] : " ومنها نفيه أبا ذر إلى الربذة [2] ، وتزويجه مروان بن الحكم ابنته ، وتسليمه خمس غنائم إفريقية ، وقد بلغت مائتي ألف دينار " .

                  فيقال : أما قصة أبي ذر فقد تقدم ذكرها . وأما تزويجه مروان ابنته فأي شيء في هذا مما يجعل اختلافا ؟ .

                  وأما إعطاؤه خمس غنائم إفريقية ، وقد بلغت مائتي ألف دينار ، فمن الذي نقل ذلك ؟ وقد تقدم [3] قوله : " إنه أعطاه ألف ألف دينار " والمعروف أن خمس إفريقية لم يبلغ ذلك .

                  [ ص: 356 ] ونحن لا ننكر أن عثمان - رضي الله عنه - كان يحب بني أمية ، وكان يواليهم ويعطيهم أموالا كثيرة . وما فعله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء ، الذين ليس لهم غرض كما أننا [4] لا ننكر أن عليا ولى أقاربه ، وقاتل وقتل خلقا كثيرا [5] من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، ويصومون ويصلون [6] . لكن من هؤلاء من قاتله بالنص والإجماع ، ومنهم من كان قتاله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء الذين لا غرض لهم .

                  وأمر الدماء أخطر من أمر الأموال ، والشر الذي حصل في الدماء بين الأمة أضعاف الشر الذي حصل بإعطاء الأموال .

                  فإذا كنا نتولى عليا ونحبه ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة من فضائله [7] ، مع أن الذي جرى في خلافته أقرب إلى الملام مما جرى في خلافة عثمان ، وجرى في خلافة عثمان من الخير ما لم يجر مثله في خلافته فلأن [8] نتولى عثمان ونحبه ، ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة [9] بطريق الأولى .

                  وقد ذكرنا أن ما فعله عثمان في المال فله ثلاثة مآخذ : أحدها : أنه عامل عليه والعامل يستحق مع الغنى .

                  [ ص: 357 ] الثاني : أن ذوي القربى [10] هم ذوو قربى الإمام .

                  الثالث : أنهم كانوا قبيلة كثيرة ، ليسوا مثل قبيلة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فكان يحتاج إلى إعطائهم وولايتهم ، أكثر من حاجة أبي بكر وعمر إلى تولية أقاربهما وإعطائهما . وهذا مما نقل عن عثمان الاحتجاج به .

                  وقد قدمنا أنا لا ندعي عصمة في أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الذنب ، فضلا عن الخطأ في الاجتهاد . وقد قال سبحانه وتعالى : ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ) [ سورة الزمر : 33 ، 35 ] .

                  وقال تعالى : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) [ سورة الأحقاف : 16 ] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية