الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقوله [1] : " ومنها إيواؤه [2] عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد أن أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه ، وتوليته مصر ، " [3] .

                  فالجواب [4] : إن كان المراد أنه لم يزل مهدر الدم حتى ولاه عثمان ، كما [ ص: 358 ] يفهم من الكلام . فهذا لا يقوله إلا مفرط في الجهل بأحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته ، فإن الناس كلهم متفقون على أنه في عام [ فتح ] مكة [5] ، بعد أن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدر دم جماعة منهم عبد الله بن سعد ، أتى عثمان به النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد مراجعة عثمان له في ذلك ، وحقن دمه ، وصار من المسلمين المعصومين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم . وقد كان هو من أعظم [ الناس ] معاداة للنبي [6] عليه الصلاة والسلام ، وأسلم وحسن إسلامه . وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه كما أهدر دماء قوم بغلظ كفرهم إما بردة مغلظة ، كمقيس بن صبابة .

                  وعبد الله هذا كان كاتبا للوحي فارتد ، وافترى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأهدر دمه ، ثم لما قدم به عثمان عفا عنه - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله بايع عبد الله . فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ، ثم بايعه . فقال : " أما فيكم رجل رشيد ينظر إلي وقد أعرضت عن هذا فيضرب عنقه ؟ " فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله هلا أومضت إلي ؟ فقال : " ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين " [7] .

                  [ ص: 359 ] ثم لما بايعه حسن إسلامه ، ولم يعلم منه بعد ذلك إلا الخير ، وكان محمودا عند رعيته في مغازيه ، وقد كانت عداوة غيره من الطلقاء أشد من عداوته ، مثل صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وأبي سفيان بن حرب وغيرهم ، وذهب ذلك كله .

                  كما قال تعالى : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ) [ سورة الممتحنة : 7 ] فجعل بين أولئك وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مودة تجب [8] تلك العداوة والله قدير على تقليب القلوب وهو غفور رحيم ، غفر الله ما كان من السيئات بما بدلوه [9] من الحسنات ، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ، ويعلم ما تفعلون .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية