وقوله [1] : " ومنها إلى أبا ذر الربذة نفيه [2] ، وتزويجه ابنته ، وتسليمه خمس غنائم إفريقية ، وقد بلغت مائتي ألف دينار " . مروان بن الحكم
فيقال : أما قصة فقد تقدم ذكرها . وأما تزويجه أبي ذر ابنته فأي شيء في هذا مما يجعل اختلافا ؟ . مروان
وأما ، وقد بلغت مائتي ألف دينار ، فمن الذي نقل ذلك ؟ وقد تقدم إعطاؤه خمس غنائم إفريقية [3] قوله : " إنه أعطاه ألف ألف دينار " والمعروف أن خمس إفريقية لم يبلغ ذلك .
[ ص: 356 ] ونحن لا ننكر أن - رضي الله عنه - كان يحب عثمان بني أمية ، وكان يواليهم ويعطيهم أموالا كثيرة . وما فعله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء ، الذين ليس لهم غرض كما أننا [4] لا ننكر أن ولى أقاربه ، وقاتل وقتل خلقا كثيرا عليا [5] من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، ويصومون ويصلون [6] . لكن من هؤلاء من قاتله بالنص والإجماع ، ومنهم من كان قتاله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء الذين لا غرض لهم .
وأمر الدماء أخطر من أمر الأموال ، والشر الذي حصل في الدماء بين الأمة أضعاف الشر الذي حصل بإعطاء الأموال .
فإذا كنا نتولى ونحبه ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة من فضائله عليا [7] ، مع أن الذي جرى في خلافته أقرب إلى الملام مما جرى في خلافة ، وجرى في خلافة عثمان من الخير ما لم يجر مثله في خلافته فلأن عثمان [8] نتولى ونحبه ، ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة عثمان [9] بطريق الأولى .
وقد ذكرنا أن ما فعله في المال فله ثلاثة مآخذ : أحدها : أنه عامل عليه والعامل يستحق مع الغنى . عثمان
[ ص: 357 ] الثاني : أن ذوي القربى [10] هم ذوو قربى الإمام .
الثالث : أنهم كانوا قبيلة كثيرة ، ليسوا مثل قبيلة أبي بكر - رضي الله عنهما - فكان يحتاج إلى إعطائهم وولايتهم ، أكثر من حاجة وعمر أبي بكر إلى تولية أقاربهما وإعطائهما . وهذا مما نقل عن وعمر الاحتجاج به . عثمان
وقد قدمنا أنا . وقد قال سبحانه وتعالى : ( لا ندعي عصمة في أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الذنب ، فضلا عن الخطأ في الاجتهاد والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ) [ سورة الزمر : 33 ، 35 ] .
وقال تعالى : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) [ سورة الأحقاف : 16 ] .