وقوله [1] : " ومنها إيواؤه [2] بعد أن أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه ، وتوليته عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر ، " [3] .
فالجواب [4] : إن كان المراد أنه لم يزل مهدر الدم حتى ولاه عثمان ، كما [ ص: 358 ] يفهم من الكلام . فهذا لا يقوله إلا مفرط في الجهل بأحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته ، فإن الناس كلهم متفقون على أنه في عام [ فتح ] مكة [5] ، بعد أن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدر دم جماعة منهم عبد الله بن سعد ، أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد مراجعة عثمان له في ذلك ، وحقن دمه ، وصار من المسلمين المعصومين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم . وقد كان هو من أعظم [ الناس ] معاداة للنبي عثمان [6] عليه الصلاة والسلام ، وأسلم وحسن إسلامه . وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه كما أهدر دماء قوم بغلظ كفرهم إما بردة مغلظة ، كمقيس بن صبابة .
وعبد الله هذا كان كاتبا للوحي فارتد ، وافترى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأهدر دمه ، ثم لما قدم به عفا عنه - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله بايع عثمان عبد الله . فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ، ثم بايعه . فقال : " أما فيكم رجل رشيد ينظر إلي وقد أعرضت عن هذا فيضرب عنقه ؟ " فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله هلا أومضت إلي ؟ فقال : " ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين " [7] .
[ ص: 359 ] ثم لما بايعه حسن إسلامه ، ولم يعلم منه بعد ذلك إلا الخير ، وكان محمودا عند رعيته في مغازيه ، وقد كانت عداوة غيره من الطلقاء أشد من عداوته ، مثل ، صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو وغيرهم ، وذهب ذلك كله . وأبي سفيان بن حرب
كما قال تعالى : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ) [ سورة الممتحنة : 7 ] فجعل بين أولئك وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مودة تجب [8] تلك العداوة والله قدير على تقليب القلوب وهو غفور رحيم ، غفر الله ما كان من السيئات بما بدلوه [9] من الحسنات ، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ، ويعلم ما تفعلون .