وأما قوله [1] : " [2] التاسع : في زمن أمير المؤمنين عليه السلام [3] بعد الاتفاق عليه وعقد [4] البيعة له ، فأولا خروج الخلاف طلحة إلى والزبير مكة ، ثم حمل إلى عائشة البصرة ، ثم نصب [ ص: 361 ] القتال معه [5] ، ويعرف ذلك بحرب الجمل ، والخلاف بينه وبين [6] ، وحرب معاوية صفين ، ومغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري ، وكذا الخلاف بينه وبين الشراة [7] المارقين بالنهروان . وبالجملة كان علي مع الحق [8] والحق معه ، وظهر في زمانه الخوارج عليه [9] ، مثل ، الأشعث بن قيس ومسعر بن فدكي التميمي [10] ، وزيد بن حصين الطائي [11] وغيرهم ، وظهر في زمنه [12] الغلاة كعبد الله بن سبأ . ومن الفرقتين ابتدأت الضلالة والبدع [13] ، وصدق فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يهلك فيك اثنان : محب غال ومبغض قال .
[ ص: 362 ] فانظر بعين الإنصاف إلى كلام هذا الرجل ، هل خرج موجب الفتنة [14] عن المشايخ أو تعداهم ؟ " .
والجواب : أن يقال هذا الكلام مما يبين تحامل في هذا الكتاب مع الشهرستاني الشيعة كما تقدم ، وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر ، ولم يذكر من أحوالهم أن الحق معهم دون من خالفهم . ولما ذكر وعثمان قال عليا [15] : " وبالجملة كان الحق مع علي وعلي مع الحق " [16] والناقل الذي لا غرض له : إما أن يحكي الأمور بالأمانة ، وإما أن يعطي كل ذي حق حقه . فأما دعوى المدعي أن الحق كان مع وعلي مع الحق ، وتخصيصه بهذا دون علي أبي بكر وعمر ، فهذا لا يقوله أحد من المسلمين غير وعثمان الشيعة .
ومما يبين فساد هذا الكلام قوله : " إن الاختلاف وقع في زمن بعد الاتفاق عليه وعقد البيعة له " . ومن المعلوم أن كثيرا من المسلمين لم يكونوا بايعوه ، حتى كثير من علي أهل المدينة ومكة الذين رأوه لم يكونوا بايعوه ، دع الذين كانوا بعيدين ، كأهل الشام ومصر والمغرب والعراق وخراسان .
وكيف يقال مثل هذا في بيعة ولا يقال في بيعة علي التي عثمان [17] اجتمع عليها المسلمون كلهم ولم يتنازع فيها اثنان ؟ .
[ ص: 363 ] وكذلك ما ذكره من التعريض بالطعن على طلحة والزبير من غير أن يذكر لهم عذرا ولا رجوعا . وأهل العلم يعلمون أن وعائشة طلحة لم يكونا قاصدين قتال علي ابتداء . وكذلك والزبير أهل الشام لم يكن قصدهم قتاله وكذلك علي لم يكن قصده قتال هؤلاء ولا هؤلاء .
ولكن حرب الجمل جرى [18] بغير اختياره ولا اختيارهم ، فإنهم كانوا قد اتفقوا على المصالحة [19] وإقامة الحدود على قتلة ، فتواطأت القتلة على إقامة الفتنة آخرا كما أقاموها أولا ، فحملوا على عثمان طلحة وأصحابهما فحملوا دفعا عنهم وأشعروا والزبير أنهما حملا عليه عليا [20] ، فحمل علي دفعا عن نفسه ، وكان كل منهما قصده دفع الصيال لا ابتداء القتال .
هكذا ذكر غير واحد من أهل العلم بالسير . فإن كان الأمر قد جرى على وجه لا ملام فيه فلا كلام [21] ، وإن كان قد وقع خطأ أو ذنب من أحدهما أو كليهما فقد عرف أن هذا لا يمنع ما دل عليه الكتاب والسنة من أنهم من خيار أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين ، وعباده الصالحين ، وأنهم من أهل الجنة [22] .