فصل
قال الرافضي [1] : " الخامس [2] : أن أفضل أهل وعلي [3] زمانه على ما يأتي ، فيكون هو الإمام لقبح تقديم الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته . [4] المفضول على الفاضل عقلا ونقلا . قال تعالى : ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) [ سورة يونس : 35 ] .
[ ص: 475 ] والجواب من وجوه : أحدها : منع المقدمة الثانية الكبرى ، فإنا لا نسلم أن أفضل أهل زمانه . بل خير هذه الأمة بعد نبيها عليا ثم أبو بكر ، كما ثبت ذلك عن عمر وغيره ، وسيأتي الجواب عما ذكروه ، وتقرير ما ذكرناه . علي
الثاني : أن الجمهور من أصحابنا وغيرهم ، وإن كانوا يقولون : يجب تولية الأفضل مع الإمكان ، لكن هذا الرافضي لم يذكر حجة على هذه المقدمة . وقد نازعه فيها كثير من العلماء . وأما الآية المذكورة فلا حجة فيها له ؛ لأن المذكور في [ الآية ] : من يهدي [5] إلى الحق ، ومن لا يهدي إلا أن يهدى . والمفضول لا يجب أن يهدى إلا أن يهديه الفاضل [6] ، بل قد يحصل له هدى كثير بدون تعلم من الفاضل ، وقد يكون الرجل يعلم ممن هو أفضل منه ، وإن كان ذلك الأفضل قد مات ، وهذا الحي [ الذي ] [7] هو أفضل منه لم يتعلم منه شيئا .
وأيضا فالذي [8] يهدي إلى الحق مطلقا هو الله ، والذي لا يهدي إلا أن يهدى صفة كل مخلوق لا يهدى إلا أن يهديه الله تعالى . وهذا هو المقصود بالآية وهي أن عبادة الله أولى من عبادة خلقه .
كما قال في سياقها : ( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل [ ص: 476 ] الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى ) [ سورة يونس : 35 ] .
فافتتح الآيات بقوله : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت [ سورة يونس : 31 ] إلى قوله : ( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ) [ سورة يونس : 35 ] .
وأيضا فكثير من الناس يقول : ولاية الأفضل واجبة ، إذا لم تكن [ في ] ولاية [9] المفضول مصلحة راجحة ، ولم يكن في ولاية الأفضل مفسدة .
وهذه البحوث يبحثها من يرى أفضل من عليا [ أبي بكر ] وعمر [10] ، كالزيدية وبعض المعتزلة ، أو من يتوقف في ذلك ، كطائفة من المعتزلة .
وأما أهل السنة فلا يحتاجون إلى منع هذه المقدمة ، بل عندهم أفضل الأمة . لكن المقصود أن نبين أن الصديق الرافضة ، وإن قالوا حقا ، فلا يقدرون أن يدلوا عليه بدليل صحيح ، لأنهم سدوا على أنفسهم كثيرا من طرق العلم ، فصاروا عاجزين عن بيان الحق ، حتى أنه [ لا ] [11] يمكنهم تقرير إيمان على علي الخوارج ، ولا تقرير إمامته على المروانية .
ومن قاتله فإن ما يستدل به على ذلك قد أطلق [12] جنسه على أنفسهم ؛ لأنهم لا يدرون ما يلزم أقوالهم الباطلة [13] من التناقض والفساد ، لقوة جهلهم ، واتباعهم الهوى [14] بغير علم [15] .