الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 5 ] قال الرافضي [1] : " المنهج الثاني : في الأدلة المأخوذة من القرآن ، والبراهين الدالة على إمامة علي من الكتاب العزيز كثيرة [2] .

                  الأول : قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [ سورة المائدة : 55 ] وقد أجمعوا أنها نزلت في علي [3] . قال الثعلبي في إسناده [4] إلى أبي ذر : [ قال ] [5] : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهاتين وإلا صمتا [6] ، ورأيته بهاتين وإلا عميتا [7] يقول : " علي قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، فمنصور [8] من نصره ، ومخذول [9] من خذله " أما إني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ) [10] صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئا ، فرفع السائل يده إلى السماء ، وقال : " اللهم إنك تشهد أني ) [11] سألت في مسجد [ ص: 6 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعطني أحد شيئا ، وكان علي راكعا ، فأومأ بخنصره [12] اليمنى ، وكان متختما فيها [13] ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم [14] ، وذلك بعين النبي - صلى الله عليه وسلم - [15] . فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء ، وقال : " اللهم إن موسى سألك وقال [16] : ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) [ سورة طه : 25 - 32 ] [17] فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا ) [ سورة القصص : 35 ] . اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك ، اللهم فاشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليا [18] اشدد به ظهري " قال أبو ذر : " فما استتم كلام [19] [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] حتى نزل عليه جبريل من عند الله [20] فقال : يا محمد اقرأ . [ ص: 7 ] .

                  قال [21] : وما [22] أقرأ ؟ قال : اقرأ : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [ سورة المائدة : 55 ]
                  .

                  ونقل الفقيه ابن المغازلي [23] الواسطي الشافعي أن هذه نزلت في علي [24] ، والولي هو المتصرف ، وقد أثبت له الولاية [25] في الآية [26] ، كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله [27] " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : أن يقال : " ليس فيما ذكره ما يصلح أن يقبل ظنا ، بل كل ما ذكره كذب وباطل ، من جنس السفسطة . وهو لو أفاده ظنونا [28] كان تسميته [29] براهين تسمية منكرة ; فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما يفيد العلم واليقين ، كقوله تعالى : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) [ سورة البقرة : 111 ] .

                  وقال تعالى : ( أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء [ ص: 8 ] والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) [ سورة النمل : 64 ] .

                  فالصادق لا بد له من برهان على صدقه ، والصدق المجزوم بأنه صدق هو المعلوم .

                  وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب ، فلا [30] يمكن أن يذكر حجة واحدة جميع مقدماتها صادقة ، فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل . وسنبين - إن شاء الله تعالى - عند [31] كل واحدة منها ما يبين كذبها ، فتسمية هذه براهين من أقبح الكذب .

                  ثم إنه يعتمد في تفسير القرآن على قول يحكى عن بعض الناس ، مع أنه قد يكون كذبا عليه ، وإن كان صدقا فقد خالفه أكثر الناس . فإن كان قول الواحد [ الذي ] [32] لم يعلم صدقه ، وقد خالفه الأكثرون برهانا ، فإنه يقيم [33] براهين كثيرة من هذا [34] الجنس على نقيض ما يقوله ، فتتعارض البراهين فتتناقض ، والبراهين لا تتناقض .

                  بل سنبين [35] - إن شاء الله تعالى - قيام [36] البراهين الصادقة التي لا تتناقض على كذب ما يدعيه من البراهين ، وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر ، [ ص: 9 ] لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه ، وأن البراهين الدالة على نبوة الرسول حق ، وأن القرآن حق ، وأن دين الإسلام حق - تناقض ما ذكره من البراهين ، فإن غاية ما يدعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب ، وتأمل لوازمه وجده يقدح في الإيمان والقرآن والرسول .

                  وهذا لأن أصل الرفض [37] كان من وضع قوم زنادقة منافقين ، مقصودهم الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام ، فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنا في دين الإسلام ، وروجوها [38] على أقوام ، فمنهم من كان صاحب هوى وجهل ، فقبلها لهواه ، ولم ينظر في حقيقتها . ومنهم من كان له نظر فتدبرها ، فوجدها تقدح في [ حق ] [39] الإسلام ، فقال بموجبها ، وقدح بها في دين الإسلام [40] ، إما لفساد اعتقاده في الدين ، وإما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين [41] الإسلام .

                  ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب ، فإن ما تنقله الرافضة من الأكاذيب تسلطوا به على الطعن في الإسلام ، وصارت شبها عند من لم [ يعلم ] أنه كذب [42] ، وكان عنده [43] خبرة بحقيقة الإسلام .

                  وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية ، وغيرهم من الزنادقة [ ص: 10 ] الملاحدة المنافقين . وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث ، كأئمة [44] العبيديين [45] إنما يقيمون مبدأ دعوتهم [46] بالأكاذيب التي اختلقتها [47] الرافضة ; ليستجيب [48] لهم بذلك الشيعة الضلال ، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة ، إلى القدح في علي ، ثم في النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم في الإلهية ، كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر ، والناموس الأعظم . ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد [49] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية