الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " البرهان العشرون : قوله تعالى : ( وتعيها أذن واعية )   [ سورة الحاقة : 12 ] في تفسير الثعلبي ، قال : قال رسول الله [ ص: 171 ] - صلى الله عليه وسلم - : سألت الله - عز وجل - أن يجعلها أذنك يا علي [2] . ومن طريق أبي نعيم ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ يا علي ] [3] إن الله أمرني أن أدنيك [4] وأعلمك ، [5] يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك [6] لتعي ، وأنزلت علي [7] هذه الآية : ( وتعيها أذن واعية ) فأنت أذن واعية [8] . وهذه الفضيلة لم تحصل لغيره ، فيكون هو الإمام " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : بيان صحة الإسناد . والثعلبي وأبو نعيم يرويان ما لا يحتج به بالإجماع .

                  الثاني : أن هذا موضوع باتفاق أهل العلم [9] 348 .

                  الثالث : أن قوله : ( لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ) [ سورة الحاقة : 11 - 12 ] لم يرد به أذن واحد من الناس فقط ، فإن هذا خطاب لبني آدم .

                  وحملهم في السفينة من أعظم الآيات . قال تعالى : ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) [ سورة يونس : [10] [ ص: 172 ] 41 ، 42 ] وقال : ( ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) [ سورة لقمان : 31 ] ، فكيف يكون ذلك كله ليعي ذلك واحد من الناس ؟

                  نعم أذن علي من الأذن الواعية ، كأذن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم . وحينئذ فلا اختصاص لعلي بذلك . وهذا مما يعلم بالاضطرار : أن الآذان الواعية ليست أذن علي وحدها . أترى أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست واعية ؟ ولا أذن الحسن والحسين وعمار وأبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وسهل بن حنيف وغيرهم ممن يوافقون على فضيلتهم وإيمانهم ؟

                  وإذا كانت الأذن الواعية له ولغيره ، لم يجز أن يقال : هذه الأفضلية لم تحصل لغيره .

                  ولا ريب أن هذا الرافضي الجاهل الظالم يبني أمره على مقدمات باطلة ; فإنه لا يعلم في طوائف أهل البدع أوهى من حجج الرافضة ، بخلاف المعتزلة ونحوهم ، فإن لهم حججا وأدلة قد تشبه على كثير من أهل العلم والعقل . أما الرافضة فليس لهم حجة قط تنفق إلا على جاهل أو ظالم صاحب هوى ، يقبل ما يوافق هواه ، سواء كان حقا أو باطلا .

                  ولهذا يقال فيهم ليس لهم عقل ولا نقل ، ولا دين صحيح ، ولا دنيا منصورة .

                  [ ص: 173 ] وقالت طائفة من العلماء : لو علق حكما بأجهل الناس لتناول الرافضة ، مثل أن يحلف : إني أبغض أجهل الناس ، ونحو ذلك . وأما لو وصى لأجهل الناس فلا تصح الوصية ; لأنها لا تكون إلا قربة فإذا وصى لقوم يدخل فيهم الكافر جاز ، بخلاف ما لو جعل الكفر والجهل جهة وشرطا في الاستحقاق .

                  ثم الرافضي يدعي في شيء أنه من فضائل علي ، وقد لا يكون كذلك . ثم يدعي أن تلك الفضيلة ليست لغيره ، وقد تكون من الفضائل المشتركة ; فإن فضائل علي الثابتة [11] عامتها مشتركة بينه وبين غيره ، بخلاف فضائل أبي بكر وعمر ، فإن عامتها خصائص لم يشاركا فيها . ثم يدعي أن تلك الفضيلة توجب الإمامة ، ومعلوم أن الفضيلة الجزئية في أمر من الأمور ليست مستلزمة للفضيلة المطلقة ولا للإمامة  ، ولا مختصة بالإمام [12] ، بل تثبت للإمام ولغيره ، وللفاضل المطلق ولغيره .

                  فبنى [13] هذا الرافضي أمره على هذه المقدمات الثلاث ، والثلاث باطلة [14] . ثم يردفها بالمقدمة الرابعة ، وتلك فيها نزاع ، لكن نحن لا ننازعه فيها ، بل نسلم أنه من كان أفضل كان أحق بالإمامة ، لكن الرافضي لا حجة معه على ذلك [15] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية