[ ص: 5 ] قال الرافضي [1] : " المنهج الثاني : في الأدلة المأخوذة من القرآن ، والبراهين الدالة على إمامة من الكتاب العزيز كثيرة علي [2] .
الأول : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [ سورة المائدة : 55 ] وقد أجمعوا أنها نزلت في قوله تعالى : ( علي [3] . قال في إسناده الثعلبي [4] إلى : [ قال ] أبي ذر [5] : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهاتين وإلا صمتا [6] ، ورأيته بهاتين وإلا عميتا [7] يقول : " قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، فمنصور علي [8] من نصره ، ومخذول [9] من خذله " أما إني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ) [10] صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئا ، فرفع السائل يده إلى السماء ، وقال : " اللهم إنك تشهد أني ) [11] سألت في مسجد [ ص: 6 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعطني أحد شيئا ، وكان راكعا ، فأومأ بخنصره علي [12] اليمنى ، وكان متختما فيها [13] ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم [14] ، وذلك بعين النبي - صلى الله عليه وسلم - [15] . فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء ، وقال : " اللهم إن موسى سألك وقال [16] : ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) [ سورة طه : 25 - 32 ] [17] فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا ) [ سورة القصص : 35 ] . اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك ، اللهم فاشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليا [18] اشدد به ظهري " قال : " فما استتم كلام أبو ذر [19] [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] حتى نزل عليه جبريل من عند الله [20] فقال : يا محمد اقرأ . [ ص: 7 ] .
قال [21] : وما [22] أقرأ ؟ قال : اقرأ : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [ سورة المائدة : 55 ] .
ونقل الفقيه ابن المغازلي [23] الواسطي الشافعي أن هذه نزلت في علي [24] ، والولي هو المتصرف ، وقد أثبت له الولاية [25] في الآية [26] ، كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله [27] " .
والجواب من وجوه : أحدها : أن يقال : " ليس فيما ذكره ما يصلح أن يقبل ظنا ، بل كل ما ذكره كذب وباطل ، من جنس السفسطة . وهو لو أفاده ظنونا [28] كان تسميته [29] براهين تسمية منكرة ; فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما يفيد العلم واليقين ، كقوله تعالى : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) [ سورة البقرة : 111 ] .
وقال تعالى : ( أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء [ ص: 8 ] والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) [ سورة النمل : 64 ] .
فالصادق لا بد له من برهان على صدقه ، والصدق المجزوم بأنه صدق هو المعلوم .
وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب ، فلا [30] يمكن أن يذكر حجة واحدة جميع مقدماتها صادقة ، فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل . وسنبين - إن شاء الله تعالى - عند [31] كل واحدة منها ما يبين كذبها ، فتسمية هذه براهين من أقبح الكذب .
ثم إنه يعتمد في تفسير القرآن على قول يحكى عن بعض الناس ، مع أنه قد يكون كذبا عليه ، وإن كان صدقا فقد خالفه أكثر الناس . فإن كان قول الواحد [ الذي ] [32] لم يعلم صدقه ، وقد خالفه الأكثرون برهانا ، فإنه يقيم [33] براهين كثيرة من هذا [34] الجنس على نقيض ما يقوله ، فتتعارض البراهين فتتناقض ، والبراهين لا تتناقض .
بل سنبين [35] - إن شاء الله تعالى - قيام [36] البراهين الصادقة التي لا تتناقض على كذب ما يدعيه من البراهين ، وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر ، [ ص: 9 ] لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه ، وأن البراهين الدالة على نبوة الرسول حق ، وأن القرآن حق ، وأن دين الإسلام حق - تناقض ما ذكره من البراهين ، فإن غاية ما يدعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب ، وتأمل لوازمه وجده يقدح في الإيمان والقرآن والرسول .
وهذا لأن أصل الرفض [37] كان من وضع قوم زنادقة منافقين ، مقصودهم الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام ، فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنا في دين الإسلام ، وروجوها [38] على أقوام ، فمنهم من كان صاحب هوى وجهل ، فقبلها لهواه ، ولم ينظر في حقيقتها . ومنهم من كان له نظر فتدبرها ، فوجدها تقدح في [ حق ] [39] الإسلام ، فقال بموجبها ، وقدح بها في دين الإسلام [40] ، إما لفساد اعتقاده في الدين ، وإما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين [41] الإسلام .
ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب ، فإن ما تنقله الرافضة من الأكاذيب تسلطوا به على الطعن في الإسلام ، وصارت شبها عند من لم [ يعلم ] أنه كذب [42] ، وكان عنده [43] خبرة بحقيقة الإسلام .
وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية ، وغيرهم من الزنادقة [ ص: 10 ] الملاحدة المنافقين . وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث ، كأئمة [44] العبيديين [45] إنما يقيمون مبدأ دعوتهم [46] بالأكاذيب التي اختلقتها [47] الرافضة ; ليستجيب [48] لهم بذلك الشيعة الضلال ، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة ، إلى القدح في ، ثم في النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم في الإلهية ، كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر ، والناموس الأعظم . ولهذا كان علي الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد [49] .