فصل 
قال الرافضي [1]  . : " البرهان الأربعون : قوله تعالى : ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير    [ سورة التحريم : 4 ] أجمع المفسرون أن صالح المؤمنين هو  علي   [2]  . . روى أبو نعيم  بإسناده إلى  أسماء بنت عميس  ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية : ( وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين   ) [ قال : صالح المؤمنين ] [3]  .  علي بن أبي طالب  ، واختصاصه  [ ص: 293 ] بذلك يدل على أفضليته [4]  . ، فيكون هو الإمام . والآيات في هذا [5]  . المعنى كثيرة ، اقتصرنا على ما ذكرنا [6]  . للاختصار " . 
والجواب من وجوه : أحدها : قوله : " أجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو  علي   " كذب مبين ، فإنهم لم يجمعوا على هذا ، ولا نقل الإجماع على هذا أحد من علماء التفسير ، ولا علماء الحديث ونحوهم . ونحن نطالبهم بهذا النقل ، ومن نقل هذا الإجماع ؟ . 
الثاني : أن يقال : كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا . قال  ابن مسعود   : وعكرمة   ومجاهد  والضحاك  وغيرهم : هو  أبو بكر   وعمر   . وذكر هذا جماعة من المفسرين ، كابن جرير الطبري  وغيره . 
وقيل : هو  أبو بكر  ، رواه مكحول  عن أبي أمامة   . 
وقيل :  عمر  ، قاله  سعيد بن جبير   ومجاهد   . 
وقيل : خيار المؤمنين ، قاله  الربيع بن أنس   . 
وقيل : هم الأنبياء ، قاله قتادة  والعلاء بن زياد  وسفيان   . 
وقيل : هو  علي  ، حكاه الماوردي  ، ولم يسم قائله ، فلعله بعض الشيعة  [7]  . . 
 [ ص: 294 ] الثالث : أن يقال : لم يثبت [ هذا ] [8]  . القول بتخصيص  علي  به عمن قوله حجة . والحديث المذكور كذب موضوع ، وهو لم يذكر دلالة على صحته [9]  . . ومجرد رواية أبي نعيم  له لا تدل على الصحة . 
الرابع : أن يقال : قوله : ( وصالح المؤمنين   ) اسم يعم كل صالح من المؤمنين ، كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين  " [10]  . 
الخامس : أن يقال : إن الله جعل في هذه الآية صالح المؤمنين مولى [11]  . رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر أن الله مولاه ، والمولى يمنع أن يراد به الموالى عليه [12]  . ، فلم يبق المراد به إلا الموالي . 
ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من المؤمنين كان مواليا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا ، فإنه [ لو ] لم يواله [13]  . لم يكن من صالح المؤمنين ، بل قد يواليه المؤمن وإن لم يكن صالحا ، لكن لا تكون موالاة كاملة . وأما الصالح فيواليه موالاة كاملة ، فإنه إذا كان صالحا أحب ما أحبه الله ورسوله ، وأبغض ما أبغضه الله ورسوله ، وأمر بما أمر به الله ورسوله ، ونهى عما نهى الله عنه ورسوله . وهذا يتضمن الموالاة . 
 [ ص: 295 ] وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  لابن عمر   : " إن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل  " فما نام بعدها [14]  . . 
وقال عن  أسامة بن زيد   : " إنه من صالحيكم ، فاستوصوا به خيرا  " [15]  . 
وأما قوله : " والآيات في هذا المعنى كثيرة " [16]  . فغايته أن يكون المتروك من جنس المذكور ، والذي ذكره خلاصة ما عندهم ، وباب الكذب لا ينسد . ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب [17]  . ، ولكن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، وللكذابين الويل مما يصفون  [ ص: 296 ] وما ذكر وقال : " أريد به  علي   " إذا ذكر أنه أريد به  أبو بكر  أو  عمر  أو  عثمان  ، لم يكن هذا القول بأبعد من قولهم ، بل يرجح على قوله ، لا سيما في مواضع كثيرة . 
وإذا [18]  . قال : فهذا لم يقله أحد ، بخلاف قولنا . 
كان الجواب من وجهين : أحدهما : أن هذا ممنوع ، بل من الناس من يخص  أبا بكر   وعمر  ببعض ما ذكره من الآيات وغيرهما . 
الثاني : أن قول القائل : خص هذا بواحد من الصحابة ، إذا أمكن غيره أن يخصه بآخر ، تكون حجته من جنس حجته ، فإنه يدل على فساد قوله . وإن كان لم يقله ، فإن الإنسان إذا كذب كذبة [ لم ] [19] يمكن مقابلتها بمثلها [20]  . ، ولم يمكنه دفع هذا إلا بما يدفع به قوله ، ووجب : إما تصديق الاثنين ، وإما كذب الاثنين . 
كالحكاية المشهورة عن قاسم بن زكريا المطرز  ، قال : دخلت على بعض الشيعة   - وقد قيل : إنه  عباد بن يعقوب   - فقال لي : من حفر البحر ؟ فقلت : الله تعالى . فقال : تقول من حفره ؟ قلت : من حفره ؟ قال :  علي بن أبي طالب   . قال : من جعل فيه الماء ؟ قلت : الله . قال : تقول من هو الذي جعل فيه الماء ؟ قلت : من هو ؟ قال :  الحسن   . قال : فلما أردت أن أقوم ، قال : " من حفر البحر ؟ قلت :  معاوية  ، قال : ومن [ الذي ] [21]  . جعل فيه الماء ؟ قلت : يزيد   . فغضب من ذلك وقام . 
 [ ص: 297 ] وكان غرض القاسم  أن يقول : هذا القول مثل قولك ، وأنت تكره ذلك وتدفعه ، وبما به يدفع ذلك يدفع به قولك [22]  . . 
وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة  والرافضة  ونحوهم . كقولهم في قوله : ( فقاتلوا أئمة الكفر   ) [ سورة التوبة : 12 ]  طلحة   والزبير   وأبو بكر   وعمر   ومعاوية   . فيقابل هذا بقول الخوارج   : إنهم  علي   والحسن   والحسين   . وكل هذا باطل ، لكن الغرض أنهم يقابلون بمثل حجتهم ، والدليل على فسادها يعم النوعين ، فعلم بطلان الجميع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					