الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل .

                  قال الرافضي : : [1] " الخامس : ما رواه الجمهور [2] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأمير المؤمنين [3] : أنت أخي [4] [ ص: 354 ] ووصيي ، وخليفتي من بعدي  ، وقاضي ديني ، وهو نص في الباب " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة هذا الحديث ، فإن هذا الحديث ليس في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها [5] ، ولا صححه [6] إمام من أئمة الحديث .

                  وقوله : " رواه الجمهور " : إن أراد بذلك أن علماء الحديث رووه [7] في الكتب التي يحتج بما فيها مثل كتاب [8] البخاري ، ومسلم ، ونحوهما ، وقالوا : إنه صحيح - فهذا كذب عليهم . وإن أراد بذلك أن هذا يرويه مثل أبي نعيم في " الفضائل " ، والمغازلي ، وخطيب خوارزم ، ونحوهم ، أو يروى في كتب الفضائل ، فمجرد هذا ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع ، فكيف في مسألة الإمامة ، التي قد أقمتم عليها القيامة ؟

                  الثاني : أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث [9] ، وقد تقدم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها [10] ، وقد صدق في ذلك ، فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث وضعيفه ليعلم أن هذا الحديث ومثله ضعيف ، بل وكذب موضوع ، ولهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها ، وإنما يرويه من يرويه في [ ص: 355 ] الكتب التي يجمع فيها بين الغث والسمين ، التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو كذب مثل كثير من كتب التفسير : تفسير [11] الثعلبي ، والواحدي ، ونحوهما ، والكتب التي صنفها في الفضائل من يجمع الغث والسمين لا سيما خطيب خوارزم ، فإنه من أروى الناس للمكذوبات ، وليس هو من أهل العلم بالحديث ، ولا المغازلي [12] .

                  قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب " الموضوعات " لما روى هذا الحديث [13] من طريق أبي حاتم البستي ، حدثنا محمد بن سهل بن أيوب ، حدثنا عمار بن رجاء ، حدثنا عبيد الله [14] بن موسى ، حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف ، عن أنس [15] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخي ، ووزيري ، وخليفتي [16] من [17] أهلي ، وخير من أترك بعدي يقضي ديني ، وينجز موعدي علي بن أبي طالب [18] " قال : هذا حديث موضوع ، قال ابن حبان : مطر بن ميمون يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه " .

                  .

                  رواه أيضا من طريق أحمد [19] بن عدي بنحو هذا اللفظ ، ومداره على [ ص: 356 ] عبيد الله بن موسى عن مطر بن ميمون ، وكان عبيد الله بن موسى في نفسه صدوقا روى عنه البخاري لكنه معروف بالتشيع فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ما يوافق هواه ، كما روى عن مطر بن ميمون هذا ، وهو كذب ، وقد يكون علم أنه كذب ذلك ، وقد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه ، ولو بحث عنه لتبين له أنه كذب هذا مع أنه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدثون [20] : " وخليفتي من بعدي ، وإنما في تلك الطريق : " وخليفتي في أهلي " وهذا استخلاف خاص .

                  وأما اللفظ الآخر [21] الذي رواه ابن عدي ، فإنه قال [22] : " حدثنا ابن أبي سفيان [23] ، حدثنا عدي [24] بن سهل ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا مطر [25] عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علي أخي ، وصاحبي ، وابن عمي ، وخير من أترك من بعدي [26] ، يقضي ديني ، وينجز موعدي " [27] .

                  ولا ريب أن مطرا هذا كذاب ، لم [28] يرو عنه أحد من علماء الكوفة [ ص: 357 ] مع روايته عن أنس فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطان ، ولا وكيع ، ولا أبو معاوية ، ولا أبو نعيم ، ولا يحيى بن آدم ، ولا أمثالهم مع كثرة من بالكوفة من الشيعة ، ومع أن كثيرا من عوامها يفضل عليا على عثمان ، ويروي حديثه أهل الكتب الستة حتى الترمذي ، وابن ماجه قد يرويان عن ضعفاء ، ولم يرووا عنه ، وإنما روى عنه عبيد الله بن موسى ; لأنه كان صاحب هوى متشيعا فكان لأجل هواه يروي عن هذا ، ونحوه ، وإن كانوا كذابين .

                  ولهذا لم يكتب أحمد عن عبيد الله بن موسى [29] ، بخلاف عبد الرزاق ، وذكر أحمد أن عبيد الله [30] كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق .

                  ومما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في " تاريخه " من حديث عبيد الله بن موسى ، عند مطر [31] ، عن أنس ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليا مقبلا فقال : " أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة " ، قال ابن الجوزي [32] : " هذا حديث موضوع ، والمتهم بوضعه مطر قال أبو حاتم : يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه " .

                  الوجه الثالث : أن دين النبي صلى الله عليه وسلم [33] لم يقضه علي ، [ ص: 358 ] بل في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ، ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله [34] ، فهذا الدين الذي كان عليه يقضى من الرهن الذي رهنه ، ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم دين آخر .

                  وفي الصحيح عنه أنه قال : " لا يقتسم [35] ورثتي دينارا ، ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة نسائي ، ومؤنة عاملي فهو صدقة " [36] .

                  فلو كان عليه دين قضي مما تركه ، وكان ذلك مقدما على الصدقة ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح [37] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية