الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقد اتفق أهل العلم بالنقل ، والرواية ، والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف ، والكذب فيهم قديم ، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب قال : أبو حاتم الرازي [1]

                  . سمعت يونس بن عبد الأعلى [2] يقول : [3] قال أشهب بن عبد العزيز [4] سئل مالك عن [ ص: 60 ] الرافضة ، فقال : لا تكلمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنهم يكذبون ، وقال . أبو حاتم : حدثنا حرملة [5] [ قال ] [6] : سمعت الشافعي يقول : لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة ، وقال . مؤمل بن إهاب [7] : سمعت يزيد بن هارون [8] يقول : يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة ، فإنهم يكذبون ، وقال . محمد بن سعيد الأصبهاني [9] : سمعت شريكا يقول : أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث ، ويتخذونه دينا ، [ وشريك هذا هو شريك بن عبد الله القاضي ، قاضي الكوفة ، من أقران الثوري ، وأبي حنيفة ، وهو من الشيعة الذي يقول بلسانه : أنا من الشيعة ، وهذه شهادته فيهم ] [10] ، وقال أبو معاوية [11] : سمعت الأعمش يقول : أدركت الناس ، وما يسمونهم إلا الكذابين ، يعني [ ص: 61 ] أصحاب المغيرة بن سعيد [12] قال . الأعمش : ولا عليكم ألا تذكروا [13] هذا ، فإني لا آمنهم أن يقولوا : إنا أصبنا الأعمش [14] مع امرأة .

                  وهذه آثار ثابتة رواها [15] [ أبو عبد الله ] [16] بن بطة في ( الإبانة الكبرى . ) [17] هو وغيره ، وروى أبو القاسم الطبري ( * كلام الشافعي فيهم من وجهين من رواية الربيع [18] قال : سمعت * ) [19] . الشافعي يقول : ما رأيت في أهل الأهواء قوما [ ص: 62 ] أشهد بالزور من الرافضة ، ورواه أيضا من طريق حرملة ، وزاد في ذلك : ما رأيت أشهد على الله بالزور من الرافضة ، وهذا المعنى ، وإن كان صحيحا ، فاللفظ الأول هو الثابت عن الشافعي ، ولهذا ذكر الشافعي ما ذكره أبو حنيفة ، وأصحابه أنه يرد [20] شهادة من عرف بالكذب كالخطابية

                  [21] ورد شهادة من عرف بالكذب متفق عليه بين الفقهاء ، وتنازعوا في شهادة سائر أهل الأهواء هل تقبل مطلقا ؟ أو ترد مطلقا ؟ أو ترد شهادة الداعية إلى البدع ؟ وهذا القول الثالث هو الغالب على أهل الحديث لا يرون الرواية عن الداعية إلى البدع ، ولا شهادته ، ولهذا لم يكن في كتبهم الأمهات كالصحاح ، والسنن ، والمسانيد [22] الرواية عن المشهورين بالدعاء إلى البدع ، وإن كان فيها الرواية عمن فيه نوع من [ ص: 63 ] بدعة كالخوارج [23] ، والشيعة ، والمرجئة [24] ، والقدرية ، وذلك . لأنهم [25] لم يدعوا الرواية عن هؤلاء للفسق كما يظنه بعضهم ، ولكن من أظهر بدعته . وجب الإنكار عليه بخلاف من أخفاها ، وكتمها ، وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك أن يهجر حتى ينتهي عن إظهار بدعته ، ومن هجره أن لا يؤخذ عنه العلم ، ولا يستشهد .

                  وكذلك تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء ، والفجور منهم من أطلق ( 4 الإذن ، ومنهم من أطلق 4 ) [26] المنع ، والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا ، وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين ، ومن هذا الباب ترك عيادتهم ، وتشييع جنائزهم كل هذا من باب الهجر المشروع في إنكار المنكر للنهي عنه [27] .

                  وإذا عرف أن هذا هو من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف [ ص: 64 ] باختلاف الأحوال من قلة البدعة ، وكثرتها ، وظهور السنة ، وخفائها ، وأن المشروع [28] قد يكون [29] هو التأليف تارة ، والهجران أخرى ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألف أقواما من المشركين ممن هو [30] حديث عهد بالإسلام [31] ، [ ومن يخاف عليه الفتنة ] [32] ، فيعطي المؤلفة قلوبهم ما لا يعطي غيرهم .

                  قال في الحديث الصحيح : ( إني أعطي رجالا ، وأدع رجالا [33] ، والذي أدع أحب إلي من الذي [34] أعطي . أعطي رجالا لما جعل الله . [35] في قلوبهم من الهلع ، والجزع ، وأدع رجالا لما [ جعل الله . ] [36] في قلوبهم من الغنى ، والخير ، منهم عمرو بن تغلب . ) [37]

                  وقال : ( إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله على [ ص: 65 ] وجهه في النار . ) [38] ، [ أو كما قال ] [39] . وكان يهجر بعض المؤمنين ، [40] كما هجر الثلاثة الذين خلفوا في [41] غزوة تبوك [42] ؛ لأن المقصود دعوة الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق ، فيستعمل الرغبة حيث تكون أصلح ، والرهبة حيث تكون أصلح .

                  ومن عرف هذا تبين له أن من رد الشهادة والرواية مطلقا من أهل البدع المتأولين ، فقوله ضعيف ، فإن السلف قد دخلوا بالتأويل في أنواع عظيمة .

                  ومن جعل المظهرين للبدعة أئمة في العلم ، والشهادة لا ينكر عليهم بهجر ، ولا ردع ، فقوله ضعيف أيضا ، وكذلك من صلى خلف المظهر للبدع ، والفجور من غير إنكار عليه ، ولا استبدال به من هو خير منه مع القدرة على ذلك ، فقوله ضعيف ، وهذا يستلزم إقرار المنكر الذي يبغضه الله ، ورسوله مع القدرة على إنكاره ، وهذا لا يجوز ، ومن أوجب الإعادة على [ كل ] [43] [ ص: 66 ] من صلى خلف كل [44] ذي ، فجور ، وبدعة ، فقوله ضعيف ، فإن السلف ، والأئمة [45] من الصحابة ، والتابعين صلوا خلف هؤلاء ، وهؤلاء لما كانوا ولاة عليهم ، ولهذا كان من أصول أهل السنة أن الصلوات التي يقيمها ولاة الأمور تصلى خلفهم على أي حال كانوا ، كما يحج معهم ، ويغزى معهم ، وهذه المسائل [46] مبسوطة في غير هذا الموضع .

                  والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة ، ومن تأمل كتب الجرح ، والتعديل المصنفة في أسماء الرواة ، والنقلة ، وأحوالهم - مثل كتب يحيى بن سعيد القطان ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، والبخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم الرازي ، والنسائي ، وأبي حاتم بن حبان ، وأبي أحمد بن عدي . والدارقطني ، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي ، ويعقوب بن سفيان الفسوي [47] ، وأحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ، والعقيلي ، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، والحاكم النيسابوري ، والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري ، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ، ونقاد ، وأهل معرفة بأحوال الإسناد - رأى المعروف عندهم بالكذب في الشيعة [48] أكثر منهم في جميع الطوائف حتى أن أصحاب الصحيح كالبخاري [ ص: 67 ] لم يرو عن أحد من قدماء الشيعة مثل عاصم بن ضمرة [49] ، والحارث الأعور [50] ، وعبد الله بن سلمة [51] ، وأمثالهم مع أن هؤلاء [ من ] [52] خيار الشيعة ، ( 5 وإنما يروي أصحاب الصحيح حديث علي عن أهل بيته 5 ) [53] كالحسن ، والحسين [54] ، ومحمد ابن الحنفية ، وكاتبه [ عبيد الله ] [55] بن أبي رافع ، أو عن [56] أصحاب عبد الله [57] بن مسعود : كعبيدة السلماني ، والحارث بن قيس ، أو عمن يشبه هؤلاء ، وهؤلاء أئمة النقل ، ونقاده من أبعد الناس عن الهوى ، وأخبرهم بالناس ، وأقولهم بالحق [58] لا يخافون في الله لومة لائم .

                  والبدع متنوعة [59] ، فالخوارج مع أنهم مارقون يمرقون من الإسلام كما . [ ص: 68 ] يمرق السهم من الرمية ، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم ، واتفق الصحابة ، وعلماء المسلمين على قتالهم ، وصح فيهم الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عشرة أوجه رواها مسلم . [ في صحيحه ] [60] روى البخاري ثلاثة منها [61] ليسوا ممن يتعمد الكذب ، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال : إن حديثهم من أصح الحديث لكنهم جهلوا ، وضلوا في بدعتهم ، ولم تكن بدعتهم عن زندقة ، وإلحاد ، بل عن جهل ، وضلال في معرفة معاني الكتاب .

                  وأما الرافضة ، فأصل بدعتهم عن زندقة ، وإلحاد ، وتعمد الكذب كثير فيهم [62] ، وهم يقرون بذلك حيث يقولون : ديننا التقية ، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه ، وهذا هو الكذب والنفاق ، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة ، ويصفون السابقين الأولين بالردة ، والنفاق ، فهم في ذلك ، كما قيل : رمتني بدائها ، وانسلت [ ص: 69 ] إذ ليس في المظهرين [63] للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم ، ولا يوجد المرتدون ، والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم ، واعتبر ذلك بالغالية من النصيرية ، وغيرهم ، وبالملاحدة الإسماعيلية ، وأمثالهم .

                  وعمدتهم في الشرعيات ما نقل لهم عن بعض أهل البيت ، وذلك النقل منه ما هو صدق ، ومنه ما هو كذب عمدا ، أو خطأ ، وليسوا أهل معرفة بصحيح المنقول وضعيفه كأهل المعرفة بالحديث ، ثم إذا صح [ النقل ] [64] عن بعض [65] هؤلاء ، فإنهم بنوا وجوب قبول قول الواحد من هؤلاء على ثلاثة أصول : على أن الواحد من هؤلاء معصوم مثل عصمة الرسول ، وعلى أن ما يقوله أحدهم ، فإنما يقول نقلا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأنهم قد علم منهم أنهم قالوا : مهما قلنا ، فإنما نقوله نقلا عن الرسول ، ويدعون العصمة في أهل [66] النقل ، والثالث [67] : أن إجماع العترة حجة ، ثم يدعون أن العترة هم الاثنا عشر ، ويدعون أن ما نقل عن أحدهم ، فقد أجمعوا [ كلهم ] [68] عليه .

                  فهذه أصول الشرعيات عندهم ، وهي أصول فاسدة ، كما سنبين ذلك في موضعه لا يعتمدون على القرآن ، ولا على الحديث ، ولا على إجماع إلا لكون المعصوم منهم ، ولا على القياس ، وإن كان ، واضحا جليا [69] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية