الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل .

                  قال الرافضي [1] : " وقال صلى الله عليه وسلم : العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، فتكون علومه أكثر من علوم غيره ، لحصول القابل الكامل [2] ، والفاعل التام [3] " .

                  والجواب : أن هذا من ( عدم ) [4] علم الرافضي بالحديث ; فإن هذا مثل سائر ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه أيدهم الله تعالى ، فتعلموا الإيمان والقرآن والسنن ، ويسر الله ذلك عليهم ، وكذلك [ ص: 527 ] علي ، فإن القرآن لم يكمل حتى صار لعلي نحو من ثلاثين سنة ، فإنما حفظ أكثر ذلك في كبره لا في صغره ، وقد اختلف في حفظه لجميع القرآن على قولين .

                  والأنبياء أعلم الخلق ، ولم يبعث الله نبيا إلا بعد الأربعين [5] ، إلا عيسى صلى الله عليه وسلم ، وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم كان مطلقا لم يكن يخص به أحدا ، ولكن بحسب استعداد الطالب ، ولهذا حفظ عنه أبو هريرة في ثلاث سنين وبعض أخرى ما لم يحفظه غيره ، وكان اجتماع أبي بكر به أكثر من سائر الصحابة .

                  وأما قوله [6] : " إن الناس منه استفادوا العلوم [7] " .

                  فهذا باطل ، فإن أهل الكوفة - التي كانت داره - كانوا قد تعلموا الإيمان ، والقرآن وتفسيره ، والفقه ، والسنة من ابن مسعود وغيره ، قبل أن يقدم علي الكوفة .

                  وإذا قيل : إن أبا عبد الرحمن [8] قرأ عليه ، فمعناه : عرض عليه ، وإلا فأبو عبد الرحمن كان [9] قد حفظ القرآن قبل أن يقدم علي الكوفة ، وهو [ ص: 528 ] وغيره من علماء الكوفة : مثل علقمة ، والأسود ، والحارث التيمي [10] ، وزر بن حبيش ، الذي قرأ عليه عاصم بن أبي النجود : أخذوا القرآن عن ابن مسعود ، وكانوا يذهبون إلى المدينة فيأخذون عن عمر وعائشة ، ولم يأخذوا عن علي كما أخذوا عن عمر وعائشة .

                  وشريح قاضيه إنما تفقه على معاذ بن جبل باليمن ، وكان يناظره في الفقه ، ولا يقلده ، وكذلك عبيدة السلماني كان لا يقلده ، بل يقول له : رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة .

                  وأما أهل المدينة ومكة فعلمهم أيضا ليس مأخوذا عنه ، وكذلك أهل الشام والبصرة فهذه الأمصار الخمسة : الحجازان ، والعراقان ، والشام ، هي التي خرج منها علوم النبوة من العلوم الإيمانية والقرآنية والشريعة .

                  وما أخذ هؤلاء عنه [11] ، فإن عمر رضي الله عنه كان قد أرسل إلى كل مصر من يعلمهم القرآن والسنة ، وأرسل إلى أهل الشام معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وغيرهما ، وأرسل إلى العراق ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وغيرهما .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية