الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              قال أبو عمر : وروي عن صهيب أنه قال : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه .

                                                              وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صهيب سابق الروم ، وسلمان سابق فارس ، وبلال سابق الحبشة .  وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب صهيبا حب الوالدة لولدها . وذكر الواقدي ، قال : أخبرنا عاصم بن سويد من بني عمرو بن عوف ، عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، قال : قدم آخر الناس في الهجرة إلى المدينة علي وصهيب ، وذلك للنصف من ربيع الأول ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء لم يرم بعد .

                                                              أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، [ ص: 730 ] [قال ] : حدثنا محمود بن غيلان ، [قال ] : حدثنا الفضل بن موسى ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال لصهيب : إنك تدعى إلى النمر بن قاسط ، وأنت رجل من المهاجرين الأولين ممن أنعم الله عليه بالإسلام . قال صهيب : أما ما تزعم أني ادعيت إلى النمر بن قاسط فإن العرب كانت تسبي بعضها بعضا فسبوني ، وقد عقلت مولدي وأهلي فباعوني بسواد الكوفة ، فأخذت لسانهم ، ولو أني كنت من روثة حمار ما ادعيت إلا إليها .

                                                              وأخبرني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا زهير بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن حمزة بن صهيب أن صهيبا كان يكنى أبا يحيى .

                                                              وزعم أنه كان من العرب ، وكان يطعم الطعام الكثير ، فقال له عمر : يا صهيب ، ما لك تتكنى بأبي يحيى ، وليس لك ولد ، وتزعم أنك من العرب ، وتطعم الطعام الكثير ، وذلك سرف في المال ؟ فقال له صهيب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى . وأما قولك في النسب فإني رجل من النمر بن قاسط من أنفسهم ، ولكني سبيت غلاما صغيرا قد عقلت أهلي وقومي . وأما قولك في الطعام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : خياركم من أطعم الطعام ، ورد السلام ، فذلك الذي يحملني على أن أطعم [ ص: 731 ] .

                                                              وحدثني عبد الرزاق ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا مصعب بن عبد الله ، حدثني أبي ، حدثني ربيعة بن عثمان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى دخل على صهيب حائطا له بالعالية ، فلما رآه صهيب قال : يا ناس يا ناس . فقال عمر : لا أبا له! يدعو الناس! فقلت : إنما يدعو غلاما يدعى يحنس . فقال عمر : ما فيك شيء أعيبه يا صهيب إلا ثلاث خصال ، لولاهن ما قدمت عليك أحدا . هل أنت مخبري عنهن ؟ قال صهيب : ما أنت بسائلي عن شيء إلا صدقتك عنه . قال : أراك تنتسب عربيا ولسانك أعجمي ، وتتكنى بأبي يحيى اسم نبي ، وتبذر مالك . قال : أما تبذيري مالي ما أنفقه إلا في حقه . وأما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى ، أفأتركها لك . وأما انتسابي إلى العرب فإن الروم سبتني صغيرا فأخذت لسانهم ، وأنا رجل من النمر بن قاسط لو انفلقت عني روثة لانتسبت إليها .

                                                              حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، وموسى بن إسماعيل قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : خرج صهيب مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه نفر من المشركين ، فانتثر ما في كنانته ، وقال لهم : يا معشر قريش ، قد تعلمون [ ص: 732 ] أني من أرماكم ، ووالله لا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم معي ، ثم أضربكم بسيفي ما بقي منه في يدي شيء ، فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه . قالوا :

                                                              فدلنا على مالك ونخلي عنك . فتعاهدوا على ذلك ، فدلهم ، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ربح البيع أبا يحيى . فأنزل الله تعالى فيه : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد
                                                              .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية