الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا  

                                                                                                                                                                                                                                      على وجه التعجب والتوبيخ لا على الاستفهام المحض [أي ] ويحكم كيف تكفرون! وهو كقوله: فأين تذهبون . وقوله: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا [ ص: 24 ] المعنى -والله أعلم- وقد كنتم، ولولا إضمار (قد) لم يجز مثله في الكلام . ألا ترى أنه قد قال في سورة يوسف: وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت . المعنى -والله أعلم- فقد كذبت. وقولك للرجل: أصبحت كثر مالك، لا يجوز إلا وأنت تريد: قد كثر مالك لأنهما جميعا قد كانا، فالثاني حال للأول، والحال لا تكون إلا بإضمار (قد) أو بإظهارها، ومثله في كتاب الله:

                                                                                                                                                                                                                                      أو جاءوكم حصرت صدورهم يريد -والله أعلم- [جاءوكم قد حصرت صدورهم ] . وقد قرأ بعض القراء - وهو الحسن البصري - (خصرة صدورهم) .

                                                                                                                                                                                                                                      كأنه لم يعرف الوجه في أصبح عبد الله قام أو أقبل أخذ شاة، كأنه يريد فقد أخذ شاة. وإذا كان الأول لم يمض لم يجز الثاني بقد ولا بغير قد، مثل قولك: كاد قام، ولا أراد قام؛ لأن الإرادة شيء يكون ولا يكون الفعل؛ ولذلك كان محالا قولك: عسى قام؛ لأن عسى وإن كان لفظها على فعل فإنها لمستقبل، فلا يجوز عسى قد قام، ولا عسى قام، ولا كاد قد قام، ولا كاد قام؛ لأن ما بعدهما لا يكون [ ص: 25 ] ماضيا، فإن جئت بيكون مع عسى وكاد صلح ذلك فقلت: عسى أن يكون قد ذهب كما قال الله: قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكنتم أمواتا فأحياكم يعني نطفا، وكل ما فارق الجسد من شعر أو نطفة فهو ميتة والله أعلم. يقول: فأحياكم من النطف، ثم يميتكم بعد الحياة، ثم يحييكم للبعث.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية