الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل اللهم مالك الملك  ، اللهم كلمة تنصبها العرب وقد قال بعض النحويين: إنما نصبت إذ زيدت فيها الميمان؛ لأنها لا تنادى بيا كما تقول: يا زيد، ويا عبد الله، فجعلت الميم فيها خلفا من يا. وقد أنشدني بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      وما عليك أن تقولي كلما صليت أو سبحت يا اللهم ما     اردد علينا شيخنا مسلما



                                                                                                                                                                                                                                      ولم نجد العرب زادت مثل هذه الميم في نواقص الأسماء إلا مخففة مثل الفم وابنم وهم، ونرى أنها كانت كلمة ضم إليها ام، تريد: يا الله امنا بخير، فكثرت في الكلام فاختلطت. فالرفعة التي في الهاء من همزة أم لما تركت انتقلت إلى ما قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      ونرى أن قول العرب: (هلم إلينا) مثلها إنما كانت (هل) فضم إليها أم فتركت على نصبها. ومن العرب من يقول إذا طرح الميم: يا ألله اغفر لي، ويا الله [ ص: 204 ] اغفر لي، فيهمزون ألفها ويحذفونها. فمن حذفها فهو على السبيل؛ لأنها ألف ولام مثل الحارث من الأسماء. ومن همزها توهم أنها من الحرف إذ كانت لا تسقط منه أنشدني بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      مبارك هو ومن سماه     على اسمك اللهم يا ألله



                                                                                                                                                                                                                                      وقد كثرت (اللهم) في الكلام حتى خففت ميمها في بعض اللغات أنشدني بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      كحلفة من أبي رياح     يسمعها اللهم الكبار



                                                                                                                                                                                                                                      وإنشاد العامة: لاهه الكبار. وأنشدني الكسائي :


                                                                                                                                                                                                                                      يسمعها الله والله كبار



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تبارك وتعالى: تؤتي الملك من تشاء . (إذا رأيت من تشاء مع من تريد من تشاء أن تنزعه منه) . والعرب تكتفي بما ظهر في أول الكلام مما ينبغي أن يظهر بعد شئت. فيقولون: خذ ما شئت، وكن فيما شئت. ومعناه فيما شئت أن تكون فيه. فيحذف الفعل بعدها قال تعالى: اعملوا ما شئتم وقال تبارك وتعالى: في أي صورة ما شاء ركبك والمعنى -والله أعلم-: في أي صورة شاء أن [ ص: 205 ] يركبك ركبك. ومنه قوله تعالى: ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله وكذلك الجزاء كله إن شئت فقم، وإن شئت فلا تقم: المعنى: إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت ألا تقوم فلا تقم. وقال الله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فهذا بين أن المشيئة واقعة على الإيمان والكفر، وهما متروكان. ولذلك قالت العرب: (أيها شئت فلك) فرفعوا أيا؛ لأنهم أرادوا أيها شئت أن يكون لك فهو لك. وقالوا (بأيهم شئت فمر) وهم يريدون: بأيهم شئت أن تمر فمر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية