الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا  

                                                                                                                                                                                                                                      إن شئت جعلت فتكونا جوابا نصبا، وإن شئت عطفته على أول الكلام فكان جزما مثل قول امرئ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      فقلت له صوب ولا تجهدنه فيذرك من أخرى القطاة فتزلق



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 27 ] فجزم. ومعنى الجزم كأنه تكرير النهي، كقول القائل: لا تذهب ولا تعرض لأحد. ومعنى الجواب والنصب لا تفعل هذا فيفعل بك مجازاة، فلما عطف حرف على غير ما يشاكله وكان في أوله حادث لا يصلح في الثاني نصب. ومثله قوله: ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي و لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب و فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة . وما كان من نفي ففيه ما في هذا، ولا يجوز الرفع في واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف بخلاف المعنيين كقولك للرجل: لا تركب إلى فلان فيركب إليك تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف، وقد قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      ألم تسأل الربع القديم فينطق     وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق



                                                                                                                                                                                                                                      أراد: ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها، كما قال زهير بن أبي سلمى المزني:


                                                                                                                                                                                                                                      قف بالديار التي لم يعفها القدم     بلى وغيرها الأرواح والديم



                                                                                                                                                                                                                                      فأكذب نفسه. وأما قوله: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي فإن جوابه قوله: فتكون من الظالمين والفاء التي في قوله: فتطردهم [ ص: 28 ] جواب لقوله: ما عليك من حسابهم من شيء ففي قوله: فتكون من الظالمين الجزم والنصب على ما فسرت لك، وليس في قوله: فتطردهم إلا النصب؛ لأن الفاء فيها مردودة على محل وهو قوله: ما عليك من حسابهم و عليك لا تشاكل الفعل، فإذا كان ما قبل الفاء اسما لا فعل فيه، أو محلا مثل قوله: "عندك وعليك وخلفك" ، أو كان فعلا ماضيا مثل: "قام وقعد" لم يكن في الجواب بالفاء إلا النصب. وجاز في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      فيذرك من أخرى القطاة فتزلق



                                                                                                                                                                                                                                      لأن الذي قبل الفاء يفعل والذي بعدها يفعل، وهذا مشاكل بعضه لبعض لأنه فعل مستقبل فيصلح أن يقع على آخره ما يقع على أوله، وعلى أوله ما يقع على آخره لأنه فعل مستقبل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية