الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم  

                                                                                                                                                                                                                                      تقرأ بالتاء فتكون للأمنة وبالياء فيكون للنعاس، مثل قوله يغلي في البطون وتغلي، إذا كانت (تغلي) فهي الشجرة، وإذا كانت (يغلي) فهو للمهل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ترفع الطائفة بقوله (أهمتهم) بما رجع من ذكرها، وإن شئت رفعتها بقوله يظنون بالله غير الحق ولو كانت نصبا لكان صوابا مثل قوله في الأعراف: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا رأيت اسما في أوله كلام وفي آخره فعل قد وقع على راجع ذكره جاز في الاسم الرفع والنصب. فمن ذلك قوله: والسماء بنيناها بأيد وقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      والأرض فرشناها فنعم الماهدون يكون نصبا ورفعا. فمن نصب جعل الواو [ ص: 241 ] كأنها ظرف للفعل متصلة بالفعل، ومن رفع جعل الواو للاسم، ورفعه بعائد ذكره كما قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      إن لم اشف النفوس من حي بكر وعدي تطاه جرب الجمال



                                                                                                                                                                                                                                      فلا تكاد العرب تنصب مثل (عدي) في معناه لأن الواو لا يصلح نقلها إلى الفعل ألا ترى أنك لا تقول : وتطأ عديا جرب الجمال. فإذا رأيت الواو تحسن في الاسم جعلت الرفع وجه الكلام. وإذا رأيت الواو يحسن في الفعل جعلت النصب وجه الكلام. وإذا رأيت ما قبل الفعل يحسن للفعل والاسم جعلت الرفع والنصب سواء، ولم يغلب واحد على صاحبه مثل قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      إذا ابن أبي موسى بلالا أتيته     فقام بفأس بين وصليك جازر



                                                                                                                                                                                                                                      فالرفع والنصب في هذا سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قول الله عز وجل: وأما ثمود فهديناهم فوجه الكلام فيه الرفع لأن أما تحسن في الاسم ولا تكون مع الفعل [ ص: 242 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قوله: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فوجه الكلام فيه الرفع لأنه غير موقت فرفع كما يرفع الجزاء، كقولك: من سرق فاقطعوا يده. وكذلك قوله والشعراء يتبعهم الغاوون معناه والله أعلم من (قال الشعر) اتبعه الغاوون.  

                                                                                                                                                                                                                                      ولو نصبت قوله والسارق والسارقة بالفعل كان صوابا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه العرب في (كل) تختار الرفع، وقع الفعل على راجع الذكر أو لم يقع. وسمعت العرب تقول وكل شيء أحصيناه في إمام مبين بالرفع وقد رجع ذكره. وأنشدوني فيما لم يقع الفعل على راجع ذكره:


                                                                                                                                                                                                                                      فقالوا تعرفها المنازل من منى     وما كل من يغشى منى أنا عارف
                                                                                                                                                                                                                                      ألفنا ديارا لم تكن من ديارنا     ومن يتألف بالكرامة يألف



                                                                                                                                                                                                                                      فلم يقع (عارف) على كل وذلك أن في (كل) تأويل: وما من أحد يغشى منى أنا عارف، ولو نصبت لكان صوابا، وما سمعته إلا رفعا. وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      قد علقت أم الخيار تدعي     علي ذنبا كله لم أصنع



                                                                                                                                                                                                                                      رفعا، وأنشدنيه بعض بني أسد نصبا [ ص: 243 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله قل إن الأمر كله لله فمن رفع جعل (كل) اسما فرفعه باللام في لله كقوله ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ومن نصب (كله) جعله من نعت الأمر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية