الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يريد الله ليبين لكم  

                                                                                                                                                                                                                                      وقال في موضع آخر والله يريد أن يتوب عليكم والعرب تجعل اللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت. فتقول: أردت أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم قال الله تبارك وتعالى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وقال في موضع آخر قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم وقال يريدون ليطفئوا وأن يطفئوا وإنما صلحت اللام في موضع أن في (أمرتك) وأردت لأنهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان مع الماضي ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح أمرتك أن قمت. فلما رأوا (أن) في غير [ ص: 262 ] هذين تكون للماضي والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكي وباللام التي في معنى كي. وربما جمعوا بين ثلاثهن أنشدني أبو ثروان:


                                                                                                                                                                                                                                      أردت لكيما لا ترى لي عثرة ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل



                                                                                                                                                                                                                                      فجمع (بين اللام وبين كي) وقال الله تبارك وتعالى: لكيلا تأسوا على ما فاتكم وقال الآخر في الجمع بينهن:


                                                                                                                                                                                                                                      أردت لكيما أن تطير بقربتي     فتتركها شنا ببيداء بلقع



                                                                                                                                                                                                                                      وإنما جمعوا بينهن لاتفاقهن في المعنى واختلاف لفظهن كما قال رؤبة:


                                                                                                                                                                                                                                      بغير لا عصف ولا اصطراف

                                                                                                                                                                                                                                      وربما جمعوا بين ما ولا وإن التي على معنى الجحد أنشدني الكسائي في بعض البيوت: (لا ما إن رأيت مثلك) فجمع بين ثلاثة أحرف.

                                                                                                                                                                                                                                      وربما جعلت العرب اللام مكان (أن) فيما أشبه (أردت وأمرت) مما يطلب المستقبل أنشدني الأنفي"

                                                                                                                                                                                                                                      من بني أنف الناقة من بنى سعد:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 263 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ألم تسأل الأنفي يوم يسوقني     ويزعم أني مبطل القول كاذبه
                                                                                                                                                                                                                                      أحاول إعناتي بما قال أم رجا     ليضحك مني أو ليضحك صاحبه



                                                                                                                                                                                                                                      والكلام: رجا أن يضحك مني. ولا يجوز: ظننت لتقوم. وذلك أن (أن) التي تدخل مع الظن تكون مع الماضي من الفعل. فتقول: أظن (أن قد) قام زيد، ومع المستقبل، فتقول: أظن أن سيقوم زيد، ومع الأسماء فتقول: أظن أنك قائم. فلم تجعل اللام في موضعها ولا كي في موضعها إذ لم تطلب المستقبل وحده.

                                                                                                                                                                                                                                      وكلما رأيت (أن) تصلح مع المستقبل والماضي فلا تدخلن عليها كي ولا اللام.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية