يقول -والله أعلم- قولوا: ما أمرتم به أي: هي حطة فخالفوا إلى كلام بالنبطية، فذلك قوله: فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم
وبلغني أن قال: أمروا أن يقولوا: نستغفر الله فإن يك كذلك فينبغي أن تكون ابن عباس حطة منصوبة في القراءة لأنك تقول: قلت لا إله إلا الله، فيقول القائل: قلت كلمة صالحة، وإنما تكون الحكاية إذا صلح قبلها إضمار ما يرفع أو يخفض أو ينصب، فإذا ضممت ذلك كله فجعلته كلمة كان منصوبا بالقول كقولك: مررت بزيد، ثم تجعل هذه كلمة فتقول: قلت كلاما حسنا ثم تقول: قلت زيد قائم، فيقول: قلت كلاما. وتقول: قد ضربت عمرا، فيقول أيضا: قلت كلمة صالحة.
فأما قول الله تبارك وتعالى: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم إلى آخر ما ذكر من العدد فهو رفع؛ لأن قبله ضمير أسمائهم سيقولون: هم ثلاثة، إلى آخر الآية.
وقوله: ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم رفع أي: قولوا: الله واحد، ولا تقولوا [ ص: 39 ] الآلهة ثلاثة. وقوله: قالوا معذرة إلى ربكم ففيها وجهان: إن أردت: ذلك الذي قلنا معذرة إلى ربكم رفعت، وهو الوجه. وإن أردت: قلنا ما قلنا معذرة إلى الله فهذا وجه نصب . وأما قوله: ويقولون طاعة فإذا برزوا فإن العرب لا تقوله إلا رفعا؛ وذلك أن القوم يؤمرون بالأمر يكرهونه فيقول أحدهم: سمع وطاعة، أي: قد دخلنا أول هذا الدين على أن نسمع ونطيع فيقولون: علينا ما ابتدأناكم به، ثم يخرجون فيخالفون، كما قال عز وجل:
فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول [أي] فإذا خرجوا من عندك بدلوا . ولو أردت في مثله من الكلام: أي نطيع، فتكون الطاعة جوابا للأمر بعينه جاز النصب؛ لأن كل مصدر وقع موقع فعل ويفعل جاز نصبه، كما قال الله تبارك وتعالى: معاذ الله أن نأخذ [معناه والله أعلم:
نعوذ بالله أن نأخذ] . ومثله في النور: قل لا تقسموا طاعة معروفة
الرفع على ليكن منكم ما يقوله أهل السمع والطاعة. وأما قوله في النحل: وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين فهذا قول أهل الجحد لأنهم قالوا لم ينزل شيئا، إنما هذا أساطير الأولين، وأما الذين آمنوا فإنهم أقروا فقالوا: أنزل ربنا خيرا، ولو رفع خير على: الذي أنزله خير لكان صوابا، فيكون بمنزلة قوله:
ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو و قل العفو النصب على الفعل: ينفقون [ ص: 40 ] العفو، والرفع على: الذي ينفقون عفو الأموال. وقوله: قالوا سلاما قال سلام فأما السلام (فقول يقال) ، فنصب لوقوع الفعل عليه، كأنك قلت: قلت كلاما.
وأما قوله: قال سلام فإنه جاء فيه نحن "سلام" وأنتم (قوم منكرون) .
وبعض المفسرين يقول: قالوا سلاما قال سلام يريد سلموا عليه فرد عليهم، فيقول القائل: ألا كان السلام رفعا كله أو نصبا كله؟ قلت: السلام على معنيين:
إذا أردت به الكلام نصبته، وإذا أضمرت معه "عليكم" رفعته. فإن شئت طرحت الإضمار من أحد الحرفين وأضمرته في أحدهما، وإن شئت رفعتهما معا، وإن شئت نصبتهما جميعا. والعرب تقول إذا التقوا فقالوا سلام: سلام، على معنى قالوا: السلام عليكم فرد عليهم الآخرون. والنصب يجوز في إحدى القراءتين "قالوا سلاما قال سلاما" . وأنشدني بعض بني عقيل:
فقلنا السلام فاتقت من أميرها فما كان إلا ومؤها بالحواجب
فرفع السلام؛ لأنه أراد سلمنا عليها فاتقت أن ترد علينا. ويجوز أن تنصب السلام على مثل قولك : قلنا الكلام، قلنا السلام، ومثله: قرأت "الحمد" وقرأت "الحمد" إذا قلت قرأت "الحمد" أوقعت عليه الفعل، وإذا رفعت جعلته حكاية على قرأت (الحمد لله) .