الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما  

                                                                                                                                                                                                                                      مرفوعان بما عاد من ذكرهما. والنصب فيهما جائز كما يجوز أزيد ضربته، وأزيدا ضربته. وإنما تختار العرب الرفع في " السارق والسارقة" لأنهما [غير] موقتين، فوجها توجيه الجزاء كقولك: من سرق فاقطعوا يده، ف (من) لا يكون إلا رفعا، ولو أردت سارقا بعينه أو سارقة بعينها كان النصب وجه الكلام. ومثله واللذان يأتيانها منكم فآذوهما وفي قراءة عبد الله " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما" .

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما قال (أيديهما) لأن كل شيء موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع. فقيل: قد هشمت رءوسهما، وملأت ظهورهما وبطونهما ضربا. ومثله إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما [ ص: 307 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان:

                                                                                                                                                                                                                                      اليدين والرجلين والعينين. فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية. وقد يجوز تثنيتهما قال أبو ذؤيب:


                                                                                                                                                                                                                                      فتخالسا نفسيهما بنوافذ كنوافذ العبط التي لا ترقع



                                                                                                                                                                                                                                      وقد يجوز هذا فيما ليس من خلق الإنسان. وذلك أن تقول للرجلين: خليتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قمصكما.

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلا في خلق الإنسان، وكل سواء. وقد يجوز أن تقول في الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما لأن المعنى: اليمين من كل واحد منهما كما قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      كلوا في نصف بطنكم تعيشوا     فإن زمانكم زمن خميص

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 308 ] وقال الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      الواردون وتيم في ذرى سبإ     قد عض أعناقهم جلد الجواميس



                                                                                                                                                                                                                                      من قال: (ذرى) جعل سبأ جيلا، ومن قال: (ذرى) أراد موضعا.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز في الكلام أن تقول: ائتني برأس شاتين، ورأس شاة. فإذا قلت:

                                                                                                                                                                                                                                      برأس شاة فإنما أردت رأسي هذا الجنس، وإذا قلت برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة قال الشاعر في غير ذلك:


                                                                                                                                                                                                                                      كأنه وجه تركيين قد غضبا     مستهدف لطعان غير تذبيب



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية