العرب لها في (أرأيت) لغتان، ومعنيان.
أحدهما أن يسأل الرجل الرجل: أرأيت زيدا بعينك؟ فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها على الرجل منه قلت: أرأيتك على غير هذه الحال؟ تريد: هل رأيت نفسك على غير هذه الحال. ثم تثنى وتجمع، فتقول للرجلين: أرايتماكما، وللقوم:
أرأيتموكم، وللنسوة: أرأيتنكن ، وللمرأة: أرأيتك، تخفض التاء والكاف، لا يجوز إلا ذلك.
والمعنى الآخر أن تقول: أرأيتك، وأنت تريد: أخبرني (وتهمزها) وتنصب التاء منها وتترك الهمز إن شئت، وهو أكثر كلام العرب، وتترك التاء موحدة مفتوحة للواحد والواحدة [والجميع في] مؤنثه ومذكره. فتقول للمرأة: أرايتك زيدا هل خرج، وللنسوة: أرايتكن زيدا ما فعل. وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل منها واقعا على نفسها، فاكتفوا بذكرها في الكاف، ووجهوا التاء إلى المذكر والتوحيد إذ لم يكن الفعل واقعا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع كما أنك إذا قلت للرجل: دونك زيدا وجدت الكاف في اللفظ خفضا وفي المعنى رفعا لأنها مأمورة.
والعرب إذا أوقعت فعل شيء على نفسه قد كني فيه عن الاسم قالوا في الأفعال التامة غير ما يقولون في الناقصة. فيقال للرجل: قتلت نفسك، وأحسنت إلى [ ص: 334 ] نفسك، ولا يقولون: قتلتك ولا أحسنت إليك. كذلك قال الله تبارك وتعالى فاقتلوا أنفسكم في كثير من القرآن كقوله وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فإذا كان الفعل ناقصا- مثل حسبت وظننت- قالوا: أظنني خارجا، وأحسبني خارجا، ومتى تراك خارجا. ولم يقولوا: متى ترى نفسك، ولا متى تظن نفسك. وذلك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين الفعل الذي قد يلغى، وبين الفعل الذي لا يجوز إلغاؤه ألا ترى أنك تقول: أنا- أظن- خارج، فتبطل (أظن) ويعمل في الاسم فعله.
وقد قال الله تبارك وتعالى إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ولم يقل: رأى نفسه. وربما جاء في الشعر: ضربتك أو شبهه من التام. من ذلك قول الشاعر :
خذا حذرا يا جارتي فإنني رأيت جران العود قد كاد يصلح لقد كان لي في ضرتين عدمتني
وما كنت ألقى من رزينة أبرح
والعرب يقولون: عدمتني، ووجدتني، وفقدتني، وليس بوجه الكلام.