الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين  أدخل (أن) في (إما) لأنها في موضع أمر بالاختيار. فهي في موضع نصب في قول القائل: اختر ذا أو ذا ألا ترى أن الأمر بالاختيار قد صلح في موضع إما.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قلت: إن (أو) في المعنى بمنزلة (إما وإما) فهل يجوز أن يقول يا زيد أن تقوم أو تقعد؟ قلت: لا يجوز ذلك لأن أول الاسمين في (أو) يكون خبرا يجوز السكوت عليه، ثم تستدرك الشك في الاسم الآخر، فتمضي الكلام على الخبر ألا ترى أنك تقول: قام أخوك، وتسكت، وإن بدا لك قلت: أو أبوك، فأدخلت الشك، والاسم الأول مكتف يصلح السكوت عليه. وليس يجوز أن تقول: ضربت إما عبد الله وتسكت. فلما آذنت (إما) بالتخيير من أول الكلام أحدثت لها أن.

                                                                                                                                                                                                                                      ولو وقعت إما وإما مع فعلين قد وصلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتمييز في موقع إما لم يحدث فيها أن كقول الله تبارك وتعالى: وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ألا ترى أن الأمر لا يصلح هاهنا، فلذلك لم يكن فيه أن. ولو جعلت (أن) في مذهب (كي) وصيرتها صلة ل (مرجون) يريد أرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم، صلح ذلك في كل فعل تام، ولا يصلح في كان وأخواتها ولا في ظننت وأخواتها. من ذلك أن تقول آتيك إما أن تعطي وإما أن تمنع.

                                                                                                                                                                                                                                      وخطأ أن تقول: أظنك إما أن تعطي وإما أن تمنع، ولا أصبحت إما أن تعطي وإما أن تمنع. ولا تدخلن (أو) على (إما) ولا (إما) على (أو) . وربما فعلت العرب ذلك لتآخيهما في المعنى على التوهم فيقولون: عبد الله إما جالس أو ناهض، [ ص: 390 ] ويقولون: عبد الله يقوم وإما يقعد. وفي قراءة أبي: وإنا وإياكم لإما على هدى أو في ضلال فوضع أو في موضع إما. وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      فقلت لهن امشين إما نلاقه كما قال أو نشف النفوس فنعذرا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                      فكيف بنفس كلما قلت أشرفت     على البرء من دهماء هيض اندمالها
                                                                                                                                                                                                                                      تهاض بدار قد تقادم عهدها     وإما بأموات ألم خيالها



                                                                                                                                                                                                                                      فوضع (وإما) في موضع (أو) . وهو على التوهم إذا طالت الكلمة بعض الطول أو فرقت بينهما بشيء هنالك يجوز التوهم كما تقول: أنت ضارب زيد ظالما وأخاه حين فرقت بينهما ب (ظالم) جاز نصب الأخ وما قبله مخفوض. ومثله يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا وكذلك قوله إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية