وقوله: بلى من كسب سيئة
وضعت "بلى" لكل إقرار في أوله جحد، ووضعت "نعم" للاستفهام الذي لا جحد فيه، فـ "بلى" بمنزلة "نعم" إلا أنها لا تكون إلا لما في أوله جحد، قال الله تبارك وتعالى: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فـ "بلى" لا تصلح في هذا الموضع. وأما الجحد فقوله: ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير ولا تصلح هاهنا "نعم" أداة؛ وذلك أن الاستفهام يحتاج إلى جواب بـ"نعم" و"لا" ما لم يكن فيه جحد، فإذا دخل الجحد في الاستفهام لم يستقم أن تقول فيه "نعم"، فتكون كأنك مقر بالجحد وبالفعل الذي بعده، ألا ترى أنك لو قلت لقائل قال لك: أما لك مال؟ فلو قلت "نعم" كنت مقرا بالكلمة بطرح الاستفهام وحده، كأنك قلت "نعم" ما لي مال، فأرادوا أن يرجعوا عن الجحد ويقروا بما [ ص: 53 ] بعده فاختاروا "بلى"؛ لأن أصلها كان رجوعا محضا عن الجحد إذا قالوا: ما قال عبد الله بل زيد، فكانت "بل" كلمة عطف ورجوع لا يصلح الوقوف عليها، فزادوا فيها ألفا يصلح فيها الوقوف عليه، ويكون رجوعا عن الجحد فقط، وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد، فقالوا: "بلى"، فدلت على معنى الإقرار والأنعام، ودل لفظ "بل" على الرجوع عن الجحد فقط.