وقد قال الشاعر:
فقلت له اخترها قلوصا سمينة ونابا علينا مثل نابك في الحيا فقام إليها حبتر بسلاحه
فلله عينا حبتر أيما فتى
وقال الراجز :
تحت الذي اختار له الله الشجر
وقوله: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا وذلك أن الله تبارك وتعالى أرسل على الذين معه- وهم سبعون- الرجفة، فاحترقوا، فظن موسى أنهم أهلكوا باتخاذ أصحابهم العجل، فقال: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا وإنما أهلكوا بمسألتهم موسى أرنا الله جهرة [ ص: 396 ] .
وقوله ثم اتخذوا العجل ليس بمردود على قوله فأخذتهم الصاعقة ثم اتخذوا هذا مردود على فعلهم الأول. وفيه وجه آخر: أن تجعل (ثم) خبرا مستأنفا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأول من ذلك أن تقول للرجل: قد أعطيتك ألفا ثم أعطيتك قبل ذلك مالا فتكون (ثم) عطفا على خبر المخبر كأنه قال: أخبرك أني زرتك اليوم، ثم أخبرك أني زرتك أمس.
وأما قول الله عز وجل خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها فإن فيه هذا الوجه لئلا يقول القائل: كيف قال: خلقكم ثم جعل منها زوجها والزوج مخلوق قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسر يدخل فيه هذا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة على الواحدة أراد- والله أعلم- خلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وحده. فهذا ما في ثم. وخلقة ثم أن يكون آخر. وكذلك الفاء. فأما الواو فإنك إن شئت جعلت الآخر هو الأول والأول الآخر. فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدا، فأيهما شئت كان هو المبتدأ بالزيادة، وإذا قلت: زرت عبد الله ثم زيدا، أو زرت عبد الله فزيدا كان الأول قبل الآخر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودا على خبر المخبر فتجعله أولا [ ص: 397 ] .