وقوله: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله
رفعت تعبدون؛ لأن دخول "أن" يصلح فيها، فلما حذف الناصب رفعت، كما قال الله: أفغير الله تأمروني أعبد (قرأ الآية) وكما قال: ولا تمنن تستكثر وفي قراءة "ولا تمنن أن تستكثر" فهذا وجه من الرفع، فلما لم تأت بالناصب رفعت. وفي قراءة عبد الله "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا" ومعناها الجزم بالنهي، وليست بجواب لليمين. ألا ترى أنه قد قال: أبي وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة فأمروا، والأمر لا يكون جوابا لليمين لا يكون في الكلام أن تقول: والله قم، ولا أن تقول: والله لا تقم. ويدل على أنه نهي وجزم أنه قال: وقولوا للناس حسنا كما تقول: افعلوا ولا تفعلوا، أو لا تفعلوا وافعلوا. وإن شئت جعلت [ ص: 54 ] لا تعبدون جوابا لليمين؛ لأن أخذ الميثاق يمين، فتقول: لا يعبدون، ولا تعبدون، والمعنى واحد. وإنما جاز أن تقول: لا يعبدون ولا تعبدون وهم غيب كما قال: "قل للذين كفروا سيغلبون" و"ستغلبون" بالياء والتاء "سيغلبون" بالياء على لفظ الغيب، والتاء على المعنى؛ لأنه إذا أتاهم أو لقيهم صاروا مخاطبين . وكذلك قولك: استحلفت عبد الله ليقومن لغيبته، واستحلفته لتقومن (لأني) قد كنت خاطبته. ويجوز في هذا استحلفت عبد الله لأقومن أي قلت له: احلف لأقومن، كقولك: قل لأقومن . فإذا قلت: استحلفت فأوقعت فعلك على مستحلف جاز فعله أن يكون بالياء والتاء والألف، وإذا كان هو حالفا وليس معه مستحلف كان بالياء وبالألف ولم يكن بالتاء، من ذلك حلف عبد الله ليقومن فلم يقم، وحلف عبد الله لأقومن؛ لأنه كقولك قال: لأقومن، ولم يجز بالتاء؛ لأنه لا يكون مخاطبا لنفسه؛ لأن التاء لا تكون إلا لرجل تخاطبه، فلما لم يكن مستحلف سقط الخطاب.
وقوله: قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله فيها ثلاثة أوجه: "لتبيتنه" و "ليبيتنه" و "لنبيتنه" بالتاء والياء والنون. إذا جعلت "تقاسموا" على وجه فعلوا، فإذا جعلتها في موضع جزم قلت: تقاسموا لتبيتنه ولنبيتنه، ولم يجز بالياء، ألا ترى أنك تقول للرجل: احلف لتقومن، أو احلف لأقومن، كما تقول: قل لأقومن. ولا يجوز أن تقول للرجل احلف ليقومن، فيصير كأنه لآخر، فهذا ما في اليمين. [ ص: 55 ] .