الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بئسما اشتروا به أنفسهم  

                                                                                                                                                                                                                                      معناه -والله أعلم- باعوا به أنفسهم. وللعرب في شروا واشتروا مذهبان، فالأكثر منهما أن يكون شروا: باعوا، واشتروا: ابتاعوا، وربما جعلوهما جميعا في معنى باعوا، وكذلك البيع يقال: بعت الثوب على معنى أخرجته من يدي، وبعته: اشتريته، وهذه اللغة في تميم وربيعة . سمعت أبا ثروان يقول لرجل: بع لي تمرا بدرهم، يريد اشتر لي، وأنشدني بعض ربيعة :


                                                                                                                                                                                                                                      ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتا ولم تضرب له وقت موعد



                                                                                                                                                                                                                                      على معنى لم تشتر له بتاتا. قال الفراء: والبتات الزاد. وقوله: بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا أن يكفروا في موضع خفض ورفع، فأما الخفض فأن ترده على الهاء التي في به على التكرير على كلامين كأنك قلت اشتروا أنفسهم بالكفر . وأما الرفع فأن يكون مكرورا أيضا على موضع "ما" التي تلي "بئس ". ولا يجوز أن يكون رفعا على قولك: بئس الرجل عبد الله، وكان الكسائي يقول ذلك قال الفراء: وبئس لا يليها مرفوع موقت ولا منصوب موقت، ولها [ ص: 57 ] وجهان فإذا وصلتها بنكرة قد تكون معرفة بحدوث ألف ولام فيها نصبت تلك النكرة، كقولك: بئس رجلا عمرو، ونعم رجلا عمرو، وإذا أوليتها معرفة فلتكن غير موقتة، في سبيل النكرة، ألا ترى أنك ترفع فتقول: نعم الرجل عمرو، وبئس الرجل عمرو، فإن أضفت النكرة إلى نكرة رفعت ونصبت، كقولك: نعم غلام سفر زيد، وغلام سفر زيد، وإن أضفت إلى المعرفة شيئا رفعت، فقلت: نعم سائس الخيل زيد، ولا يجوز النصب إلا أن يضطر إليه شاعر؛ لأنهم حين أضافوا إلى النكرة رفعوا، فهم إذا أضافوا إلى المعرفة أحرى ألا ينصبوا. وإذا أوليت نعم وبئس من النكرات ما لا يكون معرفة مثل "مثل" و"أي" كان الكلام فاسدا، خطأ أن تقول: نعم مثلك زيد، ونعم أي رجل زيد؛ لأن هذين لا يكونان مفسرين، ألا ترى أنك لا تقول: [لله] درك من أي رجل، كما تقول: لله درك من رجل، ولا يصلح أن تولي نعم وبئس "الذي" ولا "من" ولا "ما" إلا أن تنوي بهما الاكتفاء دون أن يأتي بعد ذلك اسم مرفوع . من ذلك قولك: بئسما صنعت، فهذه مكتفية، وساء ما صنعت. ولا يجوز ساء ما صنيعك. وقد أجازه الكسائي في كتابه على هذا المذهب. قال الفراء: ولا نعرف ما جهته، وقال : أرادت العرب أن تجعل "ما" بمنزلة الرجل حرفا تاما، ثم أضمروا لصنعت "ما" كأنه قال: بئسما ما صنعت، فهذا قوله وأنا لا أجيزه. فإذا جعلت "نعم" (صلة لما) بمنزلة قولك "كلما" و "إنما" كانت بمنزلة "حبذا" فرفعت بها الأسماء من ذلك قول الله عز وجل: إن تبدوا الصدقات فنعما هي رفعت هي بـ "نعما" ولا تأنيث في "نعم" [ ص: 58 ] ولا تثنية إذا جعلت "ما" صلة لها فتصير "ما" مع "نعم" بمنزلة "ذا" من "حبذا"، ألا ترى أن "حبذا" لا يدخلها تأنيث ولا جمع. ولو جعلت "ما" على جهة الحشو كما تقول: عما قليل آتيك، جاز فيه التأنيث والجمع، فقلت: بئسما رجلين أنتما، وبئست ما جارية جاريتك. وسمعت العرب تقول في "نعم" المكتفية بما: بئسما تزويج ولا مهر، فيرفعون التزويج بـ "بئسما" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية