وقوله تعالى: ذلك الكتاب
يصلح فيه ذلك من جهتين، وتصلح فيه "هذا" من جهة، فأما أحد الوجهين من ذلك فعلى معنى: هذه الحروف يا أحمد ، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك. والآخر أن يكون ذلك على معنى يصلح فيه "هذا" لأن قوله "هذا" و"ذلك" يصلحان في كل كلام إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه. ألا ترى أنك تقول: قد قدم فلان فيقول السامع: قد بلغنا ذلك، وقد بلغنا هذا الخبر، فصلحت فيه "هذا" لأنه قد قرب من جوابه، فصار كالحاضر الذي تشير إليه، وصلحت فيه "ذلك" لانقضائه، والمنقضي كالغائب. ولو كان شيئا قائما يرى لم يجز مكان "ذلك" "هذا"، [ ص: 11 ] ولا مكان "هذا" "ذلك"، وقد قال الله جل وعز: واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق إلى قوله: وكل من الأخيار ثم قال: هذا ذكر .
وقال جل وعز في موضع آخر: وعندهم قاصرات الطرف أتراب ثم قال:
هذا ما توعدون ليوم الحساب . وقال جل ذكره: وجاءت سكرة الموت بالحق ثم قال: ذلك ما كنت منه تحيد . ولو قيل في مثله من الكلام في موضع "ذلك" : هذا أو في موضع "هذا" : "ذلك" لكان صوابا.
وفي قراءة "هذا فذوقوه" وفي قراءتنا عبد الله بن مسعود ذلكم فذوقوه .
فأما ما لا يجوز فيه "هذا" في موضع "ذلك" ولا "ذلك" في موضع "هذا" فلو رأيت رجلين تنكر أحدهما لقلت للذي تعرف: من هذا الذي معك؟ ولا يجوز هاهنا: من ذلك؟ لأنك تراه بعينه.