الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن كان في هذه أعمى  يعني: في نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم فهو في الآخرة في نعم الآخرة أعمى وأضل سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      والعرب إذا قالوا: هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفعيل، وما لا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف. فإذا كان على فعللت مثل زخرفت، أو افعللت مثل احمررت واصفررت لم يقولوا: هو أفعل منك إلا أن يقولوا: هو أشد حمرة منك، وأشد زخرفة منك. وإنما جاز في العمى لأنه لم يرد به عمى العين، إنما أراد به -والله أعلم- عمى القلب. فيقال: فلان أعمى من فلان في القلب [ ص: 128 ] و (لا تقل) : هو أعمى منه في العين. فذلك أنه لما جاء على مذهب أحمر وحمراء ترك فيه أفعل منك كما ترك في كثيره . وقد تلقى بعض النحويين يقول: أجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نقول: عمي وزرق وعرج وعشي ولا نقول: صفر ولا حمر ولا بيض. وليس ذلك بشيء، إنما ينظر في هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فعل يقل أو يكثر، فيكون أفعل دليلا على قلة الشيء وكثرته ؛ ألا ترى أنك قد تقول: فلان أقوم من فلان وأجمل لأن قيام ذا وجماله قد يزيد على قيام الآخر وجماله، ولا تقول لأعميين: هذا أعمى من هذا، ولا لميتين: هذا أموت من هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن جاءك منه شيء في شعر فأجزته احتمل النوعان الإجازة: حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثني شيخ من أهل البصرة أنه سمع العرب تقول: ما أسود شعره. وسئل الفراء عن الشيخ فقال: هذا بشار الناقط. وقال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم لؤما وأبيضهم سربال طباخ



                                                                                                                                                                                                                                      فمن قال هذا لزمه أن يقول: الله أبيضك والله أسودك وما أسودك. ولعبة للعرب يقولون أبيضي حالا وأسيدي حالا والعرب تقول مسودة مبيضة إذا ولدت السودان والبيضان وأكثر ما يقولون: موضحة إذا ولدت البيضان وقد يقولون مسيدة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية