وقال في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو سليمان أنه قال لأصحابه: "أرأيتم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا كيف يصنع به؟ فقال والله لأضربنه بالسيف، ولا أنتظر أن آتي بأربعة شهداء، فقال رسول الله: "انظروا إلى سيدنا هذا ما يقول" سعد بن [ ص: 415 ] عبادة: .
يرويه عن أبيه، عن وهب بن جرير، محمد بن إسحاق، عن محمد بن أسلم بن بجرة، عن أبيه.
يريد إلى من سودناه على قومه، ورأسناه عليهم، كما يقول السلطان الأعظم: فلان أميرنا وقائدنا أي: من أمرناه على الناس، ورتبناه لقيادة الجيوش، وكان قوله: "انظروا إلى سيدنا" سيد الخزرج في الجاهلية، وجعله رسول الله نقيبا في الإسلام. فعلى هذا يتأول قوله: "سيدنا" لا أعلم للحديث وجها غيره. وكيف يجوز أن يكون أحد يسوده، وهو -صلى الله عليه وسلم- سيد ولد آدم أحمرهم وأسودهم، وإنما جاء في أكثر الروايات: انظروا إلى ما يقول سيدكم. سعد بن عبادة
فأما حديثه الآخر: "أن وفد بني عامر قدموا عليه فقالوا: أنت سيدنا، وأنت الجفنة الغراء".
حدثناه الحسن بن عثمان البناني، نا عبدوس المدائني، نا عبيد الله بن محمد العيشي، نا نا مهدي بن ميمون، غيلان، عن مطرف، عن أبيه قال: قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وفد بني عامر. قال: فقلنا: أنت والدنا، وأنت سيدنا، وأنت أطولنا طولا، وأنت الجفنة الغراء، فقال: "قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان"، وربما قال: "لا يستجرينكم الشيطان".
[ ص: 416 ]
وإنما أنكر هذا القول منهم؛ لأنه من تحية أهل الجاهلية، كانوا يحيون بذلك ملوكهم، ويثنون به على رؤسائهم، فقال لهم: قولوا بقولكم أي: بقول أهل دينكم وملتكم، يأمرهم بأن يثنوا عليه بالدين، وأن يخاطبوه بالنبي والرسول كما ذكره الله في كتابه، وعلى ما جرت به عادة قومه وأصحابه، وقد يكون معناه كراهة التشديق في الخطب، يأمرهم بالاقتصاد في القول لئلا يذهب بهم المقال إلى ما لا تعتقده قلوبهم. وهذا كما روي في حديث هند بن أبي هالة أنه كان لا يقبل الثناء إلا من مكافئ. يريد -والله أعلم- أنه لا يقبله إلا من مقتصد في القول، يعرف حقيقة إسلامه، ولا يدخل عنده في جملة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وقد تأولهابن قتيبة على غير هذا، فقال: معناه أنه كان إذا أنعم على رجل نعمة وكافأه وأثنى عليه قبل ثناءه، وإذا أثنى عليه الرجل قبل أن ينعم النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقبل ثناءه.
قال ابن الأنباري: وهذا غلط بين؛ لأنه ليس في الأرض أحد من جميع الناس ينفك من إنعام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ كان الله قد بعثه إلى جميع الناس، ورحم به الخلق، وانتاشهم وأنقذهم ببعثته إليهم من المهالك والمعاطب؛ فنعمته سابقة إلى كل الخلق، لا يخرج منها مكافئ ولا غير مكافئ، وغير جائز أن يقال: من كافأ رسول الله بالثناء على نعمة سبقت منه قبل ثناءه، ومن لا فلا؛ لأن الثناء على رسول الله فرض على جميع الناس، لا يتم إسلامهم إلا به، ولا يتحقق دخولهم في الشريعة إلا من جهته.