الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث عمر الذي يروى أنه قضى في الجد بمائة قضية يخالف بعضها بعضا .

حدثناه الحسن بن يحيى أنبأنا ابن المنذر أخبرنا إبراهيم بن عبد الله أخبرنا عبد الله بن بكر حدثنا هشام عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة عن الجد فقال : ما تصنع بالجد لقد حفظت عن عمر مائة قضية يخالف بعضها بعضا .

قال أبو سليمان قد أنكر بعض العلماء هذه الرواية إنكارا شديدا وقال : أرى هذا من مطاعن من يتنقص السلف ويتتبع لهم المساوئ قال [ ص: 107 ] :

وأين بيان ما يدعى من ذلك وفي أي رواية توجد هذه المائة قضية بل أين العشر منها فما دونها وإلى أي الوجوه ينشعب مائة حكم مختلف من مسائل توريث الجد . هذا لا وجه له ولا موضع لتوهمه .

قال أبو سليمان كان أمر الجد مع الإخوة من الأمور التي ظهر فيها الاختلاف زمان عمر وكثر تتبعه لعلمه واشتد فحصه عنه فأما زمان أبي بكر رحمه الله فقد مضى وتصرم على أن حكم الجد مع الإخوة  حكم الأب لم يظهر فيه من أحد من الصحابة ما يعد خلافا وإنما كان اختلاف القوم واجتهاد الرأي منهم فيه على عهد عمر وذلك أنهم لم يجدوا في كتاب الله للجد ذكرا ولا في سنة رسول الله من أمره بيانا شافيا إنما أكثر شيء بلغهم أنه ورث الجد السدس على الإبهام دون التمييز له والتفصيل لمواضعه .

أخبرنا محمد بن بكر أخبرنا أبو داود أخبرنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس عن الحسن أن عمر قال : أيكم يعلم ما ورث رسول الله الجد فقال معقل بن يسار أنا ورثه رسول الله السدس فقال : مع من قال : لا أدري قال : لا دريت فما يغني إذا ثم انتهى به الأمر إلى توريث الإخوة معه ووافقه على ذلك أربعة من الصحابة عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت على اختلاف بينهم في القسمة وارتفاع فيها وانحطاط فكان أولا يورثه السدس وهو قول علي ثم رفعه بعد إلى [ ص: 108 ] الثلث . ووافقه على ذلك ابن مسعود ولم يثبت عنه انتقال عن هذه الجملة ولا خروج عنها آخر أيامه .

ووجه ما رويناه عن عبيدة وتأويله أن عمر رحمه الله وإن كان قد صار إلى المقاسمة بالإخوة الجد فإنما كأنه مصدره عن رأي ارتآه واجتهاد اجتهده فكان لا يزال يجد في نفسه منه شيئا يريبه وشبهة تعارضه إذ ليس للاجتهاد موقف النص في بيان الأحكام ولو وجد نصا أو توقيفا لانتهى إليه ولم يعرج على غيره فكان دأبه أن يستبرئ تلك الشبه أبدا ويناظر الصحابة عليها ويفتن به القول في الحجاج ويتشعب في وجوه تكثر وتختلف يحسبها من ليس بالكامل فقها وعلما إنها كلها على اختلافها وتباين جهاتها قضايا منه وأحكام فعلى هذا المعنى أضيفت إليه هذه الأقوال والله أعلم .

وأخبرنا محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال : كتب عمر في الجد والكلالة كتابا فمكث يستخير الله يقول اللهم إن علمت خيرا فامضه حتى إذا طعن دعا بالكتاب فمحي وقال : إني كنت كتبت في الجد والكلالة كتابا وكنت استخرت الله فيه فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية