قال مئنة معناه مظنة ومعلم واحتج بقول المرار [ ص: 260 ] : أبو عبيدة:
فتهامسوا سرا فقالوا: عرسوا من غير تمئنة لغير معرس
قال هذا غلط فاحش والعجب من أبو سليمان ابن قتيبة يترك مثل هذا من غلط أبي عبيد لا يعرض له ثم يعنق في خلافه والاعتراض عليه فيما لا طائل له ونسأل الله التوفيق. وموضع الغلط فيه أنه جعل عروض تمئنة عروض معلم ومظنة وجعل مبنى مئنة من المأن على أن تكون الميم فيها أصلية وليس هو كذلك وإنما هو تمئنة تفعلة من المأن على وزن الشأن. وهو من الثلاثي المعتل الحشو ومعناه التهيئة تقول العرب: ما مأنت مأنه ولا شأنت شأنه أي ما علمت علمه ولا تهيأت له. ومئنة مفعلة من الأن على وزن العن من باب المضعف فأين يلتقيان.فأما اشتقاقها فإنه لم يبلغني فيه عن أحد من علماء اللغة شيء أعتمده إلا أن بعض أهل النظر زعم أنها مبنية من أنية الشيء بمعنى الإثبات له، وتحريره أن يقال: أنه كذا.
أخبرني من يوثق بعلمه من أهل اللغة أنه وجد هذا الحرف لأبي الحسن اللحياني في باب الحروف التي تعاقب فيه الظاء والهمزة قال يقال: بيت حسن الأهرة والظهرة وهي متاع البيت وقد أفر وظفر إذا وثب ويقال: هو مئنة أن يفعل ذاك ومظنة أن يفعل ذاك كقولك مخلقة ومجدرة فكأن الهمزة عنده مبدلة من الظاء.
ونظير هذا لأبي عبيد حرف آخر ذكره في حديث وهو قوله: عمران بن حصين "إن في المعاريض مندوحة عن الكذب" [ ص: 261 ] .
قال أبو عبيد مندوحة السعة قال: ومن هذا انداح بطنه واندحى وليس الأمر على ما توهمه مندوحة من الثلاثي الصحيح من قولك ندحت الشيء إذا وسعته. يقال: واد نادح أي واسع وأرض مندوحة أي واسعة ويقال للرجل إنك لفي ندحة ومندوحة من هذا الأمر أي في سعة، وقولهم انداح بطنه واندحى من المعتل يقال: دحوت الشيء إذا بسطته ووسعته كالرقاقة تدحوها ومنه أدحي النعام وهو موضع بيضها وذلك أنها تدحوه وتوسعه يقال: دحوت الشيء فاندحى.