حدثناه نا محمد بن هاشم عبد الله بن الصقر نا نا هناد بن السري أبو الأحوص عن عن الأعمش عن عبد الملك بن ميسرة أبي سعيد عن ابن الفارس الأبلق عن أبي ذر.
التاجر عندهم الخمار اسم يخصونه من بين التجار قال الشاعر:
وتاجر فاجر جاء الإله به كأن عثنونه أذناب أجمال
وقال الأسود بن يعفر:ولقد أروح على التجار مرجلا مذلا بمالي لينا أجيادي
وقال من لم يكن فقيها يفتي ويستفتي ارتطم في الربا شاء أم أبى. وقيل أبو هريرة للحسن أنصلي خلف الصيرفي فقال ذاك الفاسق وليس المراد من هذا أن كل تاجر بعينه فاجر ولا أن التجارة فجور ولكن هذه الصفة لما كثر وجودها في التجار أضيفت إلى جماعتهم وصارت سمة لعامتهم وهذا كقوله أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها.
لم يرد بهذا أن القراءة نفاق وأن القارئ منافق وإنما أراد أن الرياء في القراء كثير والإخلاص فيهم قليل والرياء من صفة المنافقين قال الله تعالى: يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا .
وأخبرنا عبد الرحمن بن الأسد نا عن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر قال سمعت شيخا يحدث عن الأعمش وأظنه شهر أبي الدرداء ابن حوشب قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "الزرع أمانة والتاجر فاجر". فجعل الأمانة في الزرع لسلامته من هذه الآفات وجعل الفجور في التجارة. لما يعرض فيها من الأسباب التي ذكرناها [ ص: 279 ] وأصل الفجور الميل والعدول وإنما قيل للكذب الفجور وللكاذب الفاجر لميله عن الصدق وعدوله عنه ومنه قول مطرف المعاذر مفاجر يريد أن العذر يشوبه الكذب.
ومن هذا قول الأعرابي في حدثناه عمر. ابن الزيبقي نا إبراهيم بن فهد نا نا موسى بن إسماعيل جرير نا يعلى عن قال أتى أعرابي سعيد بن جبير يستحمله فقال إن أهلي بعيد وإني على ناقة دبراء عجفاء نقباء وسأله أن يحمله على بعير فظن أنه كذب فلم يحمله فانطلق الأعرابي فحمل بعيره ثم استقبل عمر بن الخطاب البطحاء فجعل يقول وهو يمشي خلف بعيره:
أقسم بالله أبو حفص عمر
.ما إن بها من نقب ولا دبر
.اغفر له اللهم إن كان فجر
.وعمر مقبل من أعلى الوادي يمشي فجعل إذا قال اغفر له اللهم إن كان فجر قال اللهم صدق حتى التقيا فأخذ بيده فقال ضع عن راحلتك فوضع فإذا هي نقبة عجفاء دبرة فانطلق فحمله على بعير وزوده وكساه وخلى عنه. يريد بقوله إن كان فجر أي مال عن الصدق. عمر
ومن هذا الباب حديث أبي بكر الصديق.
حدثناه نا الأصم الربيع نا نا أسد بن موسى شعبة بن يزيد بن [ ص: 280 ] خمير قال سمعت يحدث عن سليم بن عامر أوسط بن إسماعيل أنه سمع حين توفي رسول الله صلى الله عليه فقال قام فينا رسول الله صلى الله عليه عاما أول مقامي هذا فقال: أبا بكر الصديق ألا تراه جعل الفجور في حيز الكذب كما جعل البر في حيز الصدق يريد بذلك تأويل قوله "عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار". إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم .
ومما يدل على صحة ما اخترناه من القول الآخر في تأويل حديث حديث أبي ذر حدثناه قيس بن أبي غرزة فيما أحسب نا ابن الأعرابي ابن أبي ميسرة نا نا الحميدي نا سفيان جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين أنهم سمعوا من وعاصم بن بهدلة يقول سمعت أبي وائل يقول: كنا نسمى السماسرة على عهد رسول الله عليه السلام فأتانا ونحن قيس بن أبي غرزة بالبقيع فسمانا باسم هو أحسن منه فقال: يا معشر التجار فاستمعنا إليه فقال: "إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب فشوبوه بالصدقة" [ ص: 281 ] .
والسماسرة واحدهم سمسار ويقال له: السفسير أيضا والسمسرة عندهم بمعنى البيع والشراء وأنشد لبعض الأعراب: أبو زيد
قد أمرتني زوجتي بالسمسره فكان ما ربحت وسط العيثره
وفي الزحام إن وضعت عشره
.ويقال إنه دخيل في كلام العرب. والسمسار عند العامة هو الذي يتولى البيع والشراء لغيره وقد جاء في شعر الأعشى ما يشبه هذا المعنى وهو قوله:
فعشنا زمانا وما بيننا رسول يحدث أخبارها
وأصبحت لا أستطيع الجوا ب سوى أن أراجع سمسارها