الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
188 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه قال:

"اجتمعت إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن ألا يكتمن من أمر أزواجهن شيئا ".

فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى [ ص: 158 ] .

ويروى: فينتقل.

وقالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.

قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق.

قال الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة، ولا سآمة.

قالت الخامسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، ولا يولج الكف ليعلم البث.

قالت السادسة: زوجي عياياء، أو غياياء [ ص: 159 ] .

هكذا يروى بالشك - طباقاء، كل داء له دواء.

شجك، أو فلك، أو جمع كلا لك.

قالت السابعة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد.

قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب.

قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النادي .

قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت [ ص: 160 ] المزهر أيقن أنهن هوالك.

قالت الحادية عشرة: زوجي "أبو زرع" وما "أبو زرع"؟ أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت. وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق.

وعنده أقول فلا أقبح، وأشرب فأتقمح.

ويروى: فأتقنح.

وأرقد فأتصبح.

أم "أبي زرع" وما أم "أبي زرع"؟

عكومها رداح، وبيتها فياح.

ابن "أبي زرع "، فما ابن "أبي زرع"؟

كمسل شطبة، وتشبعه ذراع الجفرة.

بنت "أبي زرع "، فما بنت "أبي زرع"؟ [ ص: 161 ] طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها.

جارية "أبي زرع "، فما جارية "أبي زرع"؟

لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقل ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا.

ويروى: تغشيشا.

خرج "أبو زرع" والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين [ ص: 162 ] .

فطلقني، ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعما ثريا.

وقال: كلي أم زرع، وميري أهلك.

فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية "أبي زرع ".

قالت "عائشة" [رضي الله عنها] :

فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

"كنت لك كأبي زرع لأم زرع"  
[ ص: 163 ] .

قال [أبو عبيد] : حدثنيه "حجاج "، عن "أبي معشر "، عن "هشام بن عروة" وغيره من "أهل المدينة "، عن "عروة "، عن "عائشة" [رضي الله عنها] ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وكان "عيسى بن يونس، يحدثه عن "هشام بن عروة "، عن أخيه "عبد الله بن عروة "، عن أبيه، عن "عائشة "، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال "أبو عبيد ": بلغني ذلك عن "عيسى بن يونس" - ["وحجاج"] وقد اختلفا في حروف لا أقف عليها.

قال "أبو عبيد ": سمعت عدة من أهل العلم لا أحفظ عددهم يخبر كل واحد منهم ببعض تفسير هذا الحديث، ويزيد بعضهم [ ص: 164 ] على بعض، قالوا: قول الأولى: [زوجي] لحم جمل غث:  تعني المهزول. على رأس جبل: تصف قلة خيره وبعده مع القلة، كالشيء في قلة الجبل الصعب لا ينال إلا بالمشقة؛ لقولها:

لا سهل فيرتقى، تعني الجبل.

ولا سمين فينتقى: يقول: ليس له نقي، وهو المخ.

قال "الكسائي ": فيه لغتان.

يقال: نقوت العظم، ونقيته: إذا استخرجت النقي منه.

قال "الكسائي ": وكلهم يقول: انتقيته.

ومنه قيل للناقة السمينة: منقية [ ص: 165 ] .

قال "الأعشى" يمدح قوما:


حاموا على أضيافهم فشووا لهم من لحم منقية ومن أكباد.



ومن رواه: ينتقل، فإنه أراد: ليس بسمين، فينتقله الناس إلى بيوتهم يأكلونه، ولكنهم يزهدون فيه [ ص: 166 ] .

و [أما] قول الثانية: زوجي لا أبث خبره، إنى أخاف ألا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره.  

فالعجر: أن ينعقد العصب، أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد.

والبجر: نحوها إلا أنها في البطن خاصة، وواحدتها بجرة.

ومنه قيل: رجل أبجر: إذا كان عظيم البطن.

وامرأة بجراء وجمعها بجر.

ويقال: لفلان بجرة [ ص: 167 ] .

ويقال: رجل أبجر: إذا كان ناتئ السرة عظيمها.

و [أما] قول الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن - أسكت أعلق.  

فالعشنق: الطويل، قاله "الأصمعي ".

تقول: ليس عنده أكثر من طوله بلا نفع، فإن ذكرت ما فيه من العيوب طلقني، وإن سكت تركني معلقة لا أيما، ولا ذات بعل [ ص: 168 ] .

ومنه قول الله [ - تبارك وتعالى - ] : فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة .

وقول الرابعة: زوجي كليل "تهامة" لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة.  

تقول: ليس عنده أذى، ولا مكروه.

وإنما هذا مثل، لأن الحر والبرد كليهما فيه أذى إذا اشتدا [ ص: 169 ] .

ولا مخافة: تقول: ليست عنده غائلة ولا شر أخافه .

ولا سآمة: تقول: لا يسأمني فيمل صحبتي.

وقول الخامسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف   [ويولج الكف] فإن اللف في المطعم: الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقي منه شيئا.

والاشتفاف في المشرب: أن يستقصي ما في الإناء، ولا يسئر فيه سؤرا.

وإنما أخذ من الشفافة، وهي البقية تبقى في الإناء من الشراب، فإذا شربها صاحبها، قيل: اشتفها، وتشافها تشافا [ ص: 170 ] .

قال ذلك "الأصمعي ":

[قال] : ويقال في مثل من الأمثال: "ليس الري عن التشاف ".

يقول: ليس من لا يشتف لا يروى، قد يكون الري دون ذلك.

قال: ويروى عن "جرير بن عبد الله [البجلي] " أنه قال لبنيه: "يا بني! إذا شربتم فأسئروا" [ ص: 171 ] .

وقال في حديث آخر: "فإنه أجمل ".

قال "أبو عبيد ": وقولها: ولا يولج الكف ليعلم البث.  

قال: فأحسبه كان بجسدها عيب أو داء تكتئب به، لأن البث هو الحزن فكان لا يدخل يده في ثوبها؛ ليمس ذلك العيب، فيشق عليها، تصفه بالكرم [ ص: 172 ] .

وقول السادسة: زوجي عياياء - أو غياياء - طباقاء [ ص: 173 ] .

فأما غياياء - بالغين - فليس بشيء.
 

إنما هو عياياء - بالعين - .

والعياياء من الإبل الذي لا يضرب، ولا يلقح.

وكذلك هو في الرجال.

والطباقاء: العيي الأحمق الفدم، ومنه قول "جميل بن معمر" يذكر رجلا:


طباقاء لم يشهد خصوما ولم يقد     ركابا إلى أكوارها حين تعكف

.

[ ص: 174 ] وقولها: كل داء له داء:  أي كل شيء من أدواء الناس، فهو فيه ومن أدوائه.

وقول السابعة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد.  

فإنها تصفه بكثرة النوم والغفلة في منزله على وجه المدح له.

وذلك أن الفهد كثير النوم [ ص: 175 ] .

يقال: "أنوم من فهد ".

والذي أرادت [به] أنه ليس يتفقد ما ذهب من ماله، ولا يلتفت إلى معايب البيت وما فيه، فهو كأنه ساه عن ذلك ومما يبين ذلك قولها: ولا يسأل عما عهد: تعني عما كان عندي قبل ذلك.

وقولها: وإن خرج أسد.  

تصفه بالشجاعة، تقول: إذا خرج إلى البأس ومباشرة الحرب ولقاء العدو أسد فيها.

يقال: قد أسد الرجل واستأسد بمعنى [ ص: 176 ] .

وقول الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب.  

فإنها تصفه بحسن الخلق، ولين الجانب، كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهرها.

وقولها: الريح ريح زرنب.

فإن فيه معنيين.

قد يكون أن تريد ريح جسده.

ويكون أن تريد طيب الثناء في الناس وانتشاره فيهم كريح الزرنب، وهو نوع من أنواع الطيب معروف [ ص: 177 ] .

قال "أبو عبيد ": الثناء والثنا واحد إلا أن الثناء ممدود، والثنا مقصور.

وقول التاسعة: زوجي رفيع العماد.  

فإنها تصفه بالشرف، وسناء الذكر.

قال"أبو عبيد ": سنا البرق، وسنا النبت مقصوران، والسناء من الشرف ممدود.

وأصل العماد عماد البيت، وجمعه عمد، وهي العيدان التي تعمد بها البيوت وإنما هذا مثل: تعني أن بيته رفيع في قومه [ ص: 178 ] .

وأما قولها: طويل النجاد.  

فإنها تصفه بامتداد القامة.

والنجاد: حمائل السيف، فهو يحتاج إلى قدر ذلك من طوله.

وهذا مما تمدح به الشعراء.

قال الشاعر:


قصرت حمائله عليه فقلصت     ولقد تحفظ قينها فأطالها

وأما قولها: عظيم الرماد  

فإنها تصفه بالجود وكثرة الضيافة من لحم الإبل ومن غيرها من اللحوم، فإذا فعل ذلك عظمت ناره، وكثر وقودها، فيكون الرماد في الكثرة على قدر ذلك [ ص: 179 ] .

وهذا كثير في أشعارهم.

وقولها: قريب البيت من النادي.

تعني أنه ينزل بين ظهراني الناس، ليعلموا مكانه، فينزل به الأضياف، ولا يستبعد منهم، ويتوارى فرارا من نزول النوائب، والأضياف به.

وهذا المعنى أراد زهير [بن أبي سلمى المزني] بقوله لرجل يمدحه: .


يسط البيوت لكي يكون مظنة     من حيث توضع جفنة المسترفد

قوله: يسط [البيوت] : يعني يتوسط البيوت، ليكون مظنة: يعني معلما [ ص: 180 ] .

يقال: فلان مظنة لهذا الأمر، أي معلم له.

[قال] : ومنه قول "النابغة ":


فإن مظنة الجهل الشباب

ويروى: السباب.

وقول العاشرة: زوجي مالك. وما مالك؟ مالك خير من ذلك.  

له إبل قليلات المسارح، كثيرات المبارك [ ص: 181 ] .

تقول: إنه لا يوجههن ليسرحن نهارا إلا قليلا، ولكنهن يبركن بفنائه، فإن نزل به ضيف لم تكن الإبل غائبة عنه، ولكنها بحضرته، فيقريه من ألبانها ولحومها.


وقولها: إذا سمعن صوت المزهر     أيقن أنهن هوالك.


فالمزهر: العود الذي يضرب به.

قال "الأعشى" يمدح رجلا:


جالس حوله الندامى فما ينـ     فك يؤتى بمزهر مندوف

.

[ ص: 182 ] فأرادت المرأة أن زوجها قد عود إبله إذا نزل به الضيفان أن ينحر لهم، ويسقيهم الشراب، ويأتيهم بالمعازف، فإذا سمعت الإبل ذلك الصوت علمن أنهن منحورات.

فذلك قولها: أيقن أنهن هوالك.

وقول الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع؟  

أناس من حلي أذني [ ص: 183 ] .

تريد حلاني قرطة وشنوفا تنوس بأذني.

والنوس: الحركة من كل شيء متدل.

يقال منه: قد ناس ينوس نوسا.

وأناسه غيره إناسة.

قال: وأخبرني "ابن الكلبي" أن "ذا نواس" ملك اليمن [ ص: 184 ] إنما سمي بهذا لضفيرتين كانتا له تنوسان على عاتقيه.

وقولها: ملأ من شحم عضدي.

لم ترد العضد خاصة. إنما أرادت الجسد كله.

تقول: إنه أسمنني بإحسانه إلي، فإذا سمنت العضد سمن سائر الجسد.

وقولها: بجحني فبجحت.

أي فرحني ففرحت.

وقد بجح الرجل يبجح: إذا فرح. .

قال " أبو عبيد" بجح يبجح، وبجح يبجح [ ص: 185 ] .

وقال "الراعي ":


وما الفقر من أرض العشيرة ساقنا     إليك ولكنا بقرباك نبجح

وقولها: وجدني في أهل غنيمة بشق. والمحدثون يقولون: بشق تعني أن أهلها كانوا أصحاب غنم ليسوا بأصحاب خيل ولا إبل [ ص: 186 ] .

وشق: موضع.

قالت: فجعلني في أهل صهيل وأطيط، تعني أنه ذهب بي إلى أهله، وهم أهل خيل وإبل، لأن الصهيل أصوات الخيل، والأطيط أصوات الإبل.

وقال "الأعشى" في الأطيط:


ألست منتهيا عن نحت أثلتنا     ولست ضائرها ما أطت الإبل

يعني: حنت وصوتت.

وقد يكون الأطيط، في غير الإبل أيضا [ ص: 187 ] .

ومنه حديث "عتبة بن غزوان" حين ذكر باب الجنة، فقال: ليأتين عليه زمان وله "أطيط" يعني الصوت بالزحام.

وقولها: ودائس ومنق.  

فإن بعض الناس يتأوله دياس الطعام.

وأهل الشام يقولون: الدراس - بالراء.

يقولون: قد درس الناس طعامهم يدرسونه.

وأهل العراق يقولون [قد] داسوا يدوسون [ ص: 188 ] .

قال "أبو عبيد ": ولا أظن واحدة من هاتين الكلمتين من كلام العرب ولا أدري ما هو.

فإن كان كما قيل: فإنها أرادت أنهم أصحاب زرع.

وهذا أشبه بكلام العرب.

وأما قول المحدثين: منق. فلا أدري ما معناه.

ولكني أحسبه منق [ ص: 189 ] .

فإن كان هذا [هكذا] ، فإنها أرادته من تنقية الطعام.

أي دائس للطعام، ومنق له.

وقولها: عنده أقول فلا أقبح، وأشرب فأتقمح.

تقول: لا يقبح علي قولي [بل] يقبل مني.

وأما التقمح في الشراب، فإنه مأخوذ من الناقة المقامح.

قال "الأصمعي ": هي التي ترد الحوض فلا تشرب.

قال" أبو عبيد ": فأحسب قولها: فأتقمح: أي أروى حتى أدع الشرب من شدة الري [ ص: 190 ] .

قال "أبو عبيد ": ولا أراها قالت هذا، إلا من عزة الماء عندهم.

وكل رافع رأسه، فهو مقامح وقامح.

وجمعه قماح.

قال "بشر بن أبي خازم" يذكر سفينة كان فيها :


ونحن على جوانبها قعود     نغض الطرف كالإبل القماح.


فإن فعل ذلك بإنسان فهو مقمح.

وهو في التنزيل: إلى الأذقان فهم مقمحون [ ص: 191 ] .

وبعض الناس يروي هذا الحرف: أشرب فأتقنح [بالنون] ولا أعرف هذا الحرف، ولا أرى المحفوظ إلا بالميم.

وقولها: أم "أبي زرع "، فما أم "أبي زرع"؟ عكومها رداح [ ص: 192 ] .

فالعكوم: الأحمال والأعدال التي فيها الأوعية من صنوف الأطعمة والمتاع، واحدها عكم.

وقولها: رداح.  

تقول: هي عظام كثيرة الحشو.

ومنه قيل للكتيبة إذا عظمت: رداح، قال "لبيد ":


وأبنا ملاعب الرماح     ومدره الكتيبة الرداح

[ ص: 193 ] [قال "أبو عبيد ": وأبنا: يأمر ابنتيه بالبكاء على أبي براء عمه، والتأبين المدح بعد الموت، ولا يكون للحي تأبين] .

ومن هذا قيل للمرأة رداح: إذا كانت عظيمة الأكفال.

وقولها: ابن "أبي زرع "، وما ابن "أبي زرع"؟ كمسل شطبة [ ص: 194 ] .

فإن الشطبة أصلها ما شطب من جريد النخل، وهو سعفه، وذلك أنه يشقق منه قضبان دقاق تنسج منه الحصر.

يقال منه للمرأة التي تفعل ذلك: شاطبة، وجمعها شواطب.

قال "قيس بن الخطيم [الأنصاري] ":


ترى قصد المران يلقى كأنه     تذرع خرصان بأيدي الشواطب

.

[ ص: 195 ] فأخبرت المرأة أنه مهفف، ضرب اللحم. شبهته بتلك الشطبة.

وهذا مما يمدح به الرجل

وقولها: وتكفيه ذراع الجفرة.

فإن الجفرة: الأنثى من أولاد الغنم، والذكر جفر

ومنه قول " عمر - رضي الله عنه - " في اليربوع يصيبها [ ص: 196 ] المحرم جفرة" والعرب تمدح الرجل بقلة الطعم والشرب.

ألا تسمع قول "أعشى باهلة ":


تكفيه حزة فلذ إن ألم بها     من الشواء ويروي شربه الغمر

وقولها: جارية "أبي زرع "، وما جارية "أبي زرع"؟ لا تبث حديثنا تبثيثا [ ص: 197 ] .

وبعضهم يرويه: لا تنث حديثنا تنثيثا وأحدهما قريب المعنى من الآخر، أي لا تظهر سرنا.

وقولها: لا تنقل ميرتنا تنقيثا.  

تعني الطعام لا تأخذه، فتذهب به، تصفها بالأمانة.

والتنقيث: الإسراع في السير.

قال "الفراء ": يقال: خرج فلان ينتقث: إذا أسرع في سيره

وقولها: خرج "أبو زرع" والأوطاب تمخض.  

فالأوطاب: أسقية اللبن، واحدها وطب [ ص: 198 ] .

قال: فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين.

تعني أنها ذات كفل عظيم، فإذا استلقت نتأ الكفل بها عن الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان.

[قال "أبو عبيد"] : وبعض الناس يذهب بالرمانتين إلا أنهما الثديان [ ص: 199 ] .

وليس هذا بموضعه.

قال: فطلقني، ونكحها.

ونكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا.

تعني الفرس أنه يستشري في سيره، تعني [أنه] يلج ويمضي [فيه] بلا فتور ولا انكسار.

ومن هذا قيل للرجل إذا لج في الأمر: قد شري فيه، واستشرى فيه.

وقولها: أخذ خطيا.

تعني الرمح، سمي خطيا، لأنه يأتي من بلاد ناحية البحرين، يقال لها: الخط، فنسبت الرماح إليها [ ص: 200 ] .

وإنما أصل الرماح من الهند، ولكنها تحمل إلى الخط في البحر، ثم تفرق منها في البلاد.

وقولها: نعما ثريا.  

تعني الإبل، والثري: الكثير من المال وغيره.

قال" الكسائي ": يقال: قد ثرى بنو فلان بني فلان يثرونهم إذا كثروهم، فكانوا أكثر منهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية