الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
512 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا قال له: يا رسول الله! إنا قوم نتساءل أموالنا [بيننا] فقال: "يسأل الرجل في الجائحة والفتق، فإذا استغنى أو كرب استعف"   [ ص: 431 ] .

حدثنا أبو عبيد: قال: حدثناه "محمد بن أبي عدي"، "ويزيد بن هارون" عن "بهز بن حكيم"، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

أما قوله: "استغنى أو كرب" يقول: أو دنا من ذلك وقرب منه، وكل دان قريب فهو كارب، قال الشاعر، وأراه لعبد القيس "بن خفاف البرجمي":


أبني إن أباك كارب يومه فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل

وأما قوله: "في الجائحة" فإنها المصيبة تحل بالرجل في ماله فتجتاحه كله.

وأما "الفتق" فالحرب تكون بين الفريقين، فتقع بينهما [ ص: 432 ] الدماء والجراحات فيتحملها رجل ليصلح بذلك بينهم، ويحقن دماءهم فيسأل فيها حتى يؤديها إليهم.

ومما يبين ذلك حديثه الآخر:

حدثنا أبو عبيد قال: حدثناه "ابن علية" عن "أيوب"، عن "هارون بن رياب"، عن "كنانة بن نعيم"، عن "قبيصة بن المخارق" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة:  

رجل تحمل بحمالة بين قوم، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله، فيسأل حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش.

ورجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحي من قومه أن قد أصابته فاقة، وأن قد حلت له المسألة.

وما سوى ذلك من المسائل سحت"
[ ص: 433 ] .

أما قوله: رجل تحمل بحمالة، ورجل أصابته جائحة  فعلى ما فسرت لك.

وأما الفاقة: فالفقر.

وقوله: سداد من عيش، فهو بكسر السين، وكل شيء سددت به خللا فهو سداد، ولهذا سمي سداد القارورة، وهو صمامها; لأنه يسد رأسها، ومنه سداد الثغر إذا سد بالخيل والرجال.

قال الشاعر، وهو العرجي واسمه "عبد الله بن عمرو بن عثمان" وإنما سمي العرجي; لأنه كان ينزل موضعا يقال له: العرج [بناحية الطائف ليس بالمنزل الذي يسمى العرج بين المدينة ومكة] :


أضاعوني وأي فتى أضاعوا     ليوم كريهة وسداد ثغر [ ص: 434 ]

وأما السداد - بالفتح - فإنما معناه الإصابة في المنطق أن يكون الرجل مسددا.

يقال منه: إنه لذو سداد في منطقه وتدبيره، وكذلك الرمي، فهذا ما [جاء] في الحديث من العربية.

وأما ما فيه من الفقه، فإنه أخبرك بمن تحل له المسألة، فخص هؤلاء الأصناف الثلاثة، ثم حظر المسألة على سائر الخلق.

وأما حديث "ابن عمر": "إن المسألة لا تحل إلا من فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع"  فإن هذه الخلال الثلاث هي تلك التي في حديث "أيوب"، عن "هارون بن رياب"، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأعيانها إلا أن الألفاظ اختلفت فيهما، فلا أرى المسألة تحل في هذا الحديث أيضا إلا لأولئك الثلاثة بأعيانهم [ ص: 435 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية