الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              الحديث الخامس والثلاثون:

                              باب: نشد .

                              حدثنا أبو بكر، حدثنا ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه قال في مكة: "لا ترفع لقطتها إلا لمنشد"   .

                              حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حجاج بن أبي عثمان، حدثني يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه: "لا تلتقط لقطتها إلا لمنشد" .

                              حدثنا ابن نمير، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه يقول [ ص: 505 ] : "لا يأخذ لقطتها إلا منشد" .

                              حدثنا عثمان، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه: "لا يلتقط لقطته إلا من عرفها"   .

                              حدثنا عفان، حدثنا وهيب، وحدثنا يحيى، حدثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه قال: "لا تلتقط لقطتها إلا لمعرف" .

                              حدثنا محمد بن الصباح، أخبرنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن ابن أبي حسين، رأى النبي صلى الله عليه رجلا ينشد سلعته في المسجد، فقال: "أيها الناشد غيرك الواجد"   .

                              [ ص: 506 ] حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن أبي ذئب، عن صالح، مولى التوأمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه قال: " من أنشد ضالة في المسجد فقولوا: لا وجدت " .

                              حدثنا سعدويه، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن خصيفة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه قال: " إذا رأيتم الرجل ينشد ضالة فقولوا: لا رد الله عليك   " .

                              حدثنا قتيبة، حدثنا ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يحنس، مولى مصعب، عن أبي سعيد الخدري: كنا مع النبي صلى الله عليه، فعرض لنا شاعر ينشد، فقال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا   .

                              [ ص: 507 ] حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، أو غيره - بل إن شاء الله عن عمرو بن الشريد، عن أبيه: أردفني رسول الله صلى الله عليه، فقال: "هل معك من شعر أمية شيء؟" قلت: نعم، فأنشدته مائة بيت   .

                              حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا يوسف بن يزيد، حدثني صدقة بن طيسلة، حدثني معن بن ثعلبة المازني والحي، عن أعشى بني مازن: رأيت النبي صلى الله عليه فأنشدته: يا مالك الملك وديان العرب [ ص: 508 ] قوله: "لا ترفع لقطتها إلا لمنشد"  المنشد: المعرف للقطة، والناشد: الطالب لها، يقال: نشدت أنشد نشدة ونشيدا إذا عرفت وأنشدت إنشادا إذا طلبت، فالمعنى لا تحل لقطتها ألبتة، كما نهى في الحديث الآخر عن لقطة الحاج؛ لأنهم غرباء، ويتفرقون إلى بلدانهم، فمتى أخذ رجل لقطتهم وعرفها وقد تفرقوا لم يقدر على صاحبها، ليس هم كالمقيمين، فأحب أن لا يأخذ أحد لقطة مكة حتى يجدها صاحبها، فيأخذها .

                              هكذا حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو، عن بكير بن الأشج، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الرحمن بن عثمان، أن النبي صلى الله عليه نهى عن لقطة الحاج   .

                              حدثنا عبيد الله، حدثنا ابن مهدي، عن موسى بن الفرات، سمع طاوسا، قال: مكة لا ترفع لقطتها .

                              حدثنا ابن أبي سليمان، حدثنا ابن مريم، عن ابن لهيعة، عن عياش بن عباس، عن أبي سلمة: "الساقطة بمنى لا تلتقط"  قال إبراهيم: وقد يرخص في ذلك، كان عطاء يرخص فيه .

                              [ ص: 509 ] حدثنا محمد بن علي السرخسي، حدثنا زيد بن حباب، عن أبي بكر، بياع العباء قال: سألت عطاء قلت: وجدت دينارا بمكة قال: عرفه  قلت: أنا شاخص قال: ادفعه إلى رب منزلك يعرفه قوله: "إلا لمنشد"  إلا لطالبها، فكان ينبغي على هذا القول: إلا لناشد؛ لأنه الطالب أخبرنا عمرو، عن أبيه: يقال: نشدت البعير نشيدة ونشيدا فما أنشدنيه أحد، ونشدني فلان بعيره فأنشدته أي: دللته عليه كذا يقال: نشدت الضالة إذا سألت عنها وأنشدتها إذا عرفتها والناشد: الحابس الضالة على ربها. وقوله: "أيها الناشد غيرك الواجد"،  يريد أيها الطالب، ومثله " من أنشد ضالة، فقولوا: لا وجدت " يقول من طلب وقوله: " إذا رأيتم من ينشد ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك؛ لأن هذا من أنشد ينشد، والأول من نشد ينشد أخبرنا عمرو، عن أبيه: يقال: من الطلب أنشد ينشد وقال مؤرج: المنشد: المعرف، أنشد ينشد إنشادا، والناشد المعترف، نشد ينشد نشدة ونشدانا قال الشاعر:

                              [ ص: 510 ]

                              أنشد الناس ولا أنشدهم إنما ينشد من كان أضل



                              أنشدهم: أدل عليهم، وقال آخر:


                              كأنه ناشد نادى لموعده     عبدي مناف إذا اشتد الحيازيم



                              قوله: كأنه ناشد  يقول: طالب، وقال أبو داود:


                              ويصيخ تارات كما اسـ     ـتمع المضل دعاء ناشد



                              والمضل هو الناشد، فكأنه أراد دعاء منشد، يعرف ما ذهب منه، فلو أجمعوا على تفسير قول أبي دؤاد كان حجة لقوله: "لا تحل لقطتها إلا لمنشد" ؛ لأنه أجاز أن يجعل ناشدا في موضع منشد، فجاز أن يكون منشد في موضع ناشد، ولكنهم قالوا: أراد بقوله " دعاء ناشد: أي سمع منشدا فظنه ناشدا، فاستمع له، وقال قوم: بل سمع ناشدا مثله، فاستمع له ليتأسى به وقال عبد الرحمن بن مهدي: "إلا لمنشد" إلا إن سمع أحدا يطلبها، فيأخذها فيناوله وكان ينبغي أن يقول: إلا لناشد، وإن كان قد يجعل أحدهما مكان صاحبه وإلا فالقول الأول [ ص: 511 ] وقال الأخفش: الناشد: الطالب الضالة، وأنشد لأسامة بن الحارث:


                              فوالله لا يبقى على حدثانه     طريد بأوطان العلاية فارد
                              من الصحم ميفاء الحزون كأنه     إذا اهتاج في وجه من الصبح ناشد
                              يصيح بالأسحار في كل صوة     كما نشد الذم الكفيل المعاهد



                              وصف حمارا، فقال: لا يبقى على حدثان الدهر طريد: حمار طرده عن أتنه حمار آخر بأوطان العلاية: موضع فارد: فرد من الصحم، لونه أصحم يريد أحمر، ميفاء الحزون: يشرف على حزم من الأرض: ما غلظ منها يصيح بالأسحار في كل صوة: وهو العلم وهو الجبل كما نشد: طلب وناشد: طالب والذم: العهد والكفيل: الذي كفل له بجواره والمعاهد: الذي له عهد وقال الطرماح:

                              [ ص: 512 ]

                              أو معزب وحد أضل أفائلا     ليلا فأصبح فوق قرن ينشد



                              قوله: فعرض له شاعر ينشد نشيدا، إذا تكلم به وأظهره كأنه يخبر بما عنده منه كمنشد الضالة المخبر أنه وجد ضالة، فهو يدعو إليها .

                              [ ص: 513 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية